فإذا قال : " لا غلام" فإنما هو جواب لقوله : هل من غلام؟ وعملت" لا" فيما بعدها. وإن كانت في موضع ابتداء كما عملت" من" في" الغلام" وإن كانت في موضع ابتداء فما لم يتغير عن حاله قبل أن تدخل" لا" قول الله تعالى : (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(١) وقال الراعي :
وما صدمتك حتى قلت معلنة |
|
لا ناقة لي في هذا ولا جمل (٢) |
وقد جعلت ـ وليس ذلك بالأكثر ـ بمنزلة" ليس".
وإن جعلتها بمنزلة" ليس" كانت حالها كحال" لا" في أنها في موضع ابتداء وأنها لا تعمل في معرفة.
فمن ذلك قول سعد بن مالك :
من صدّ عن نيرانها |
|
فأنا ابن قيس لا براح (٣) |
واعلم أن المعارف لا تجري مجرى النكرة في هذا الباب لأن" لا" لا تعمل في معرفة أبدا.
فأما قول الشاعر :
لا هيثم الليلة للمطي (٤)
فإنه جعله نكرة كأنه قال : لا هيثم من الهيثميين. ومثل ذلك : لا بصرة لكم.
وقال ابن الزبير الأسدي :
أرى الحاجات عند أبي خبيب |
|
نكدن ولا أمية بالبلاد (٥) |
قلت : فكيف يكون هذا وإنما أراد عليّا عليهالسلام؟
فقال لأنه لا يجوز لك أن تعمل" لا" إلا في نكرة.
__________________
(١) سورة الأنعام ، من الآية ٤٨.
(٢) البيت في الخزانة ٢ / ٣٣٦ ، وابن يعيش ٢ / ١١١ ، نهاية الأرب ٣ / ٥٦.
(٣) الخزانة ٢ / ٩٠ ، وابن يعيش ١ / ١٠٨ ، والمغني ١ / ٢٣٩.
(٤) رجز لم يعرف قائله. في ابن يعيش ٢ / ١٠٢ ، الدرر ١ / ١٢٤.
(٥) البيت نسبه ابن السيرافي لفضالة بن شريك ، ونسبه صاحب الأغاني لعبد الله بن فضالة بن شريك ١٠ / ١٦٣. والراجح أنه لابن الزبير الأسدي ، قاله في هجاء عبد الله بن الزبير بن العوام ، وكان يكنى أبا خبيب عند الذم. الخزانة ٤ / ٦١ ، وابن يعيش ٢ / ١٠٣ ، والمقتضب ٤ / ٣٦٢.