أنها لا تقع مبتدأة في اللفظ فأما كونها فاعلة فقولك : بلغني أنك منطلق كأنك قلت : بلغني انطلاقك. وكونها مفعولة : عرفت أنك خارج معناه : عرفت خروجك وكونها مبتدأة قولك : عندي أن زيدا راحل معناه : عندي رحيله. كما تقول : عندي غلامه. وكونها مخفوضة : أيقنت بأنك مقيم أي بإقامتك. ولو قلت : أنك منطلق عرفت لم يجز وإن كان يجوز أن تقول : انطلاقا عرفت. لأن" إنّ" وأنّ" من خبر واحد في الأصل فاختاروا لابتداء اللفظ" إنّ" المكسورة وجعلوها بمنزلة الفعل المبتدأ به. وجعلوا" أنّ" لما تعلق بشيء قبله مما يحتاج إلى تقديمه عليه وتعليق معناه به. فإن قال قائل : فقد قال الله عزوجل : ـ (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً)(١) و" أن" متعلقة" بتدعوا" تقديره : ولا تدعوا مع الله أحدا لأن المساجد لله. وحذف اللام وقدم فصارت" أن" مقدمة في اللفظ والعامل فيها ما بعدها. فهلا أجزتم : أنّ زيدا منطلق؟ قيل له : في" أن المساجد لله" وجهان : لا يلزم فيهما كليهما ما ألزمت.
أحدهما : أن يقال : " أن المساجد لله" يعمل فيهما ما قبلها وهي على (أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ) والعامل فيهما" أوحي إلي" (٢).
والوجه الآخر : " ولأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا" فقبلها" لام" مقدرة.
وأما" أن" المخففة فيبتدأ بها اللفظ كقولك : أن تخرج خير لك ، كقوله عزوجل : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)(٣) وأنما جاز ذلك في المخففة ولم يجز في المشددة كما ذكرنا من وقوع" أن" التي هي في معناها في التوكيد ابتداء.
ومن الدليل على أنهما بمعنى واحد تقول : ظننت أنّ زيدا منطلق. فإن أدخلت اللام قلت : ظننت إنّ زيدا لمنطلق. فالمكسورة هي المفتوحة كما أنك إذا قلت : علمت زيدا منطلق : ثم قلت : علمت لزيد منطلق. فالمبتدأ والخبر هما المفعولان في المعنى.
وهذا معنى قول سيبويه في الباب الذي يلي هذا في حسن تقدم" أن" المخففة" لأنها لا تزول من الأسماء والثقيلة تزول" يعني نستعمل مكانها المكسورة.
ومما يمنع من تقديم" أن" المفتوحة في اللفظ في قولك : " أنك منطلق بلغني" أنها إذا تقدمت ارتفعت بالابتداء وكل مبتدأ ليس قبله شئ يتعلق به يجوز دخول" إنّ" المكسورة
__________________
(١) سورة الجن ، الآية : ١٨.
(٢) سورة الجن ، الآية : ١.
(٣) سورة البقرة ، الآية : ١٨٤.