الله به فلله الأسماء الحسنى ، وأيّا أحد الاسمين المذكورين في : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ)(١).
وأول شيء ردّ على سيبويه من هذا الباب قوله : (وإن أضمرت الفاء جازيت وجزمت" تشأ" ونصبت" أيّها").
فقال الرادّ : إضمار الفاء إنّما يجوز في الشّعر وقد ذكره سيبويه في كلامه.
قال أبو سعيد : وليس كذلك ، إنما أرادا إذا أضمرت في الموضع الذي يجوز إضماره على ما ستقف عليه في باب المجازاة ، وكان حكمه أن تنصب أيّها بفعل الشّرط ، وتجزم فعل الشّرط.
واعلم أنّ الكوفيّين يجرون أيّهم مجرى ما ومن في الاستفهام والمجازاة والخبر ، وإذا أوقعوا عليها الفعل ـ وهي في معنى الذي ـ نصبوها ، وسواء حذفوا العائد من الصّلة أو لم يحذفوا ، ولا فرق عندهم بين قولك : لأضربنّ الذي أفضل ، ولأضربنّ أيّهم أفضل ، ولا يضمّون أيّهم إلا في موضع رفع ، فخرّجوا الآية على ثلاثة أوجه كلّها يوجب رفع" أيّهم" بالابتداء ، وأشدّ على الرّحمن خبره.
الوجه الأول منها : أن النزع عمل في" من" وما بعدها واكتفي بها ، كما تقول : قد قتلت من كلّ قبيل ، وأكلت من كلّ طعام ، فيكتفي الفعل بما ذكر معه ، ثم تبتدأ" أيّ" فترفع ب" أشدّ" ، وهذا جواب الكسائي والفراء.
والوجه الثاني : أن الشّيعة معناها : الأعوان ، وتقديرها من كلّ قوم تشايعوا لينظروا أيّهم أشدّ على الرحمن عتيّا ، فالنظر من دلائل الاستفهام ، وهو مقدّر معه ، وأنت إذا قلت : لأنظرنّ أيّهم أشدّ على الرحمن عتيّا ، فالنظر معلّق ، وأيّهم مرفوع بالابتداء ، والنّظر والمعرفة والعلم ونحوهنّ من أفعال القلوب يسقط عملهن إذا كان بعدهنّ استفهام.
ويقوّى حكاية الكوفيين وذهبهم ما روي عن الجرميّ أنّه قال : خرجت من الخندق ـ يعني : خندق البصرة ـ حتى صرت إلى مكة ، لم أسمع أحدا يقول : اضرب أيّهم أفضل ، أي كلّهم ينصب ، ولم يذكر الكوفيّون لأضربنّ أيّهم أفضل ، وقد حكاه البصريون ؛ لأن سيبويه قال : (سألت الخليل عن قولهم : اضرب أيّهم أفضل) ، إنما يعني سألته عن قول العرب ، وقول العرب أيّهم ، وقع في قولهم : أيّهم على أنه حكاية عن العرب أيضا ، وقوّى ما حكاه سيبويه والخليل عن العرب ما حكاه أبو عمرو الشيباني في حرف العين من" كتاب
__________________
(١) سورة الإسراء ، من الآية : ١١٠.