وما ضررت إلا إياي.
فإن قال قائل : فأنت قد تقول : ظننتني قائما ، وحسبتك منطلقا فتعدّي فعله إلى نفسه. فهلا استحسنت كنتك على هذا؟
قيل له : إنما جاز حسبتك منطلقا ونحوه ، لأنّ المحسبة وبابها لا تقع على المفعول الأول في الحقيقة ، فلم يعتدّ به ، وإنما هي واقعة على المفعول الثاني ، فإذا قلت : كان زيد منطلقا ، فالمعتمد بالإخبار الانطلاق. والذي يقول : ليسني ، وكانني فعلى شبيه اللفظ حين جعل الاسم والخبر في هذه الأفعال بمنزلة الفاعل والمفعول به.
وقد حكي عن بعض العرب أنه قال : عليه رجلا ليسني ، لرجل ذكر له أنه يريده ، وقد شبّه ليس لقلة تمكّنها بالحرف ، فقيل : ليس كما قيل : ليتي ولعلّي ، كما قال الشاعر فيما أنشدنا أبو بكر بن دريد :
عددت قومي كعديد الطّيس |
|
إذ ذهب القوم الكرام ليسي (١) |
وأما قوله : (لأن إيّا ، وأنت علامتا الإضمار) ، فهو مخالف لما ذكره في باب إياك عن الخليل ، حيث جعل الكاف في موضع خفض بإضافة إيّا إليها في قوله : إياك نفسك ، وإياه وإيّا الشّوابّ ؛ لأن إيّا إذا كانت علامة إضمار لم يجز إضافته إلى شيء ، كما أن المضمر ، لا يضاف. والصحيح من الأقاويل المقولة في إيّاك : أنها مضافة إلى ما بعدها ، وأنّ ما بعدها مخفوض بالإضافة ، وأنّ منزلة إيّا منزله اسم ظاهر مضاف إلى ما بعده ، والمضاف والمضاف إليه كشيء واحد ، كقولك : رأيتك نفسك ، ومررت بك نفسك ، وقمت أنت نفسك : فالنفس في الحقيقة ليست غير الذي أضيفت إليه ؛ لأنك إذا قلت : ضربتك نفسك فلست تقصد بالنفس إلى إلي بعضه ولا إلى شيء سواه ، وإنما قال سيبويه :
(إيا : علامة المضمر) ؛ لأنها وضعت ليوصّل بها إلى لفظ المضمر في الموضع الذي لا يتّصل بعامله ، وذلك أنّ ضمير المخفوض والمنصوب لفظهما واحد في أصل الموضوع لاشتراكهما في أشياء كثيرة ذكرت في مواضعها ، وضمير المخفوض لا يكون إلا متصلا ، وكان حقّ المنصوب أن يكون كذلك إلا أنه عرض للمنصوب حال اختصّ بها من جواز التقديم والتأخير ، والفصل بينه وبين عامله. فإذا أضمر لم يكن وصلة ، وذلك نحو قولك : إياك ضربت ، أصله : ضربتك ، والكاف لا يتكلم بها وحدها منفصلة من ضربت ، فلما
__________________
(١) البيت في ديوانه ١٧٥ ؛ والخزانة ٥ / ٣٢٤ ، ٣٢٥ ؛ ابن يعيش ٣ / ١٠٨ ؛ ولسان العرب وتاج العروس (طيس).