وأحسّ الشيخان أن لا مقام لهما مع عليّ
، وأنهما كبقية المسلمين وأن علياّ سيستأنف معهما ومع غيرهما سيرة الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم وهما كغيرهما من أعيان المهاجرين ،
وأعلام الأنصار يسوسهم الإمام بالشدّة واليقين لا التسامح واللين ؛ فأعرضا عن
البصرة والكوفة ، وأستأذنا بالعمرة ، فقال علي عليهالسلام
:
ما العمرة تريدان وإنما تريدان الغدرة
ونكث البيعة ، فحلفا بالله ما الخلاف عليه ولا نكث بيعته يريدان ، وما رأيهما غير
العمرة ، قال لهما : فأعيدا البيعة لي ثانية ، فأعاداها بأشد ما يكون من الإيمان
والمواثيق ، فأذن لهما ، فلما خرجا من عنده ، قال الإمام لمن كان حاضراً : والله
لا ترونهما إلا في فتنة يقتلان فيها.
قالوا : يا أمير المؤمنين فمر بردهما
عليك ، قال الإمام : ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.
وخرج طلحة والزبير في طريقهما إلى مكة ،
فلم يلقيا أحداً إلا قالا له :
ليس لعلي في أعناقنا بيعة ، وإنما
بايعناه مكرهين ، فبلغ قولهما علياً عليهالسلام
فقال :
« أبعدهما الله وأغرب دارهما ، أما
والله لقد علمت أنهما سيقتلان أنفسهما أخبث مقتل ، ويأتيان من وردا عليه بأشأم يوم
، والله ما العمرة يريدان ، ولقد أتياني بوجهي فاجرين ، ورجعا بوجهي غادرين ناكثين
، والله لا يلقياني بعد اليوم إلا في كتيبة خشناء يقتلان فيها أنفسهما ، فبعداً
لهما وسحقاً ».
وكان الإمام عليهالسلام في هذا الحين يتجهز لحرب أهل الشام ،