(٣)
المتمرّدون في مجابهة الإمام متظاهرين بالثأر لعثمان
لم تقعد بعليّ عليهالسلام حنكته السياسية ، ولم تعجزه مقدرته الإدارية عن اتخاذ الاجراءات الكفيلة بخنق الأنفاس ، وكبت الحريات ، ومنع التصرف ، فقد كان بامكانه إحتجاز طلحة والزبير في المدينة وصرفهما عن وجههما إلى مكة ، وقد كان بمقدوره فرض الإقامة الجبرية عليهما ، ومتابعتهما أمنياً بالعيون ، ولكنه ذو سياسة يتمحض عنها الإيمان بأدق معانيه ، وذو إدارة يلقي بثقلها الإسلام بأصدق مفاهيمه ، فليس للضغط مستقر في منظوره ، ولا للإكراه سبيل إلى إدارته ، أراد أن يذيق الناس مفهوم الحرية بأوسع معاييرها الفذة ، وأن يحمل الناس على سنن الإسلام وإن أرهقته ، وأن يتجمل بالصبر تارة ، وبالأناة تارة أخرى في إمتصاص الأحداث وهو على بصيرة من أمره ، وسيأتي في سياسته مع الخوارج ما يدل على ذلك.
والمنطق الإسلامي يقضي على علي عليهالسلام أن يحكم بالظاهر ، فليس له إلى القلوب سبيل وإن أدرك خفايا النيات ، واستقرأ الغيب المجهول ، وهو على صحة من عزيمته وصدق من نيته ، يعلم بما يضمر طلحة والزبير من الغدر والنكث والخلاف ، ولكنه تركهما ييممان شطر البيت الحرام لأنهما أظهرا العمرة وإن أرادا سواها.
وقد قصد مكة المكرمة ولاة عثمان المعزولون لأنها حرم آمن لا