(٨)
أنباءٌ تكدّر صفو الفتح ... وعليٌّ يذود الكتائب
وبينا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ينعم بأنباء الفتح ، ويتهلل وجهه فرحاً لمسارعة النفوس إلى الإسلام ، ويمتلىء قلبه رحمةً واشفاقاً ، وكيانه خشوعاً وتسبيحاً ، وتنطلق شفتاه حمداً واستغفاراً ، إذ يصله نبئان يكدّران عليه صفو الفتح ، ويعكرّان مناخ النصر. النبأ الأول من بني جذيمة ، والنبأ الثاني من هوازن وثقيف. فيرى نفسه وقيادته من الذين معه ، لا يريح من جانب ، إلا ليفجأ بعناء من جانب آخر ، فقد كتبت عليه ملحمة لا بد أن تتم فصولها ، وتتلاحق متاعبها وأدوارها ، فهو بين كدح ونضال ، وجدّ وتضحية ، يتبع أولها آخرها ، ويستظل بمبتداها منتهاها ، وما عليه إلا أن يتصرف تصرف الحكيم بأناة ، ويستبسل استبسال المستميت بإصرار ، حتى يرّد على الأعقاب تلك النكسات ، ويواجه بالصبر وحسن التأني تلك الأحداث.
أما نبأ بني جذيمة ، فقد كان من أمرهم ، أن أرسل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم خالد بن الوليد في سرية من المسلمين تتجاوز ثلاثمائة مقاتل من المهاجرين والأنصار وفيهم عبد الرحمن بن عوف إلى بني جذيمة بن عامر من كنانة يدعوهم إلى الإسلام؛ ولم يبعثه مقاتلاً؛ فلما انتهى إلى ماء لبني حذيمة نزل به ، وكان بنو جذيمة قد أصابوا في الجاهلية نسوةً من بني المغيرة ، وقتلوا أبا عبد الرحمن بن عوف والفاکه بن المغيرة ،