والنبي لا يعبأ بهذا الهراء ، ولكنه يجمعهم ثانية ، ويطلب إليهم بيسر : « قولوا لا إله إلا الله تفلحوا » الشهادة فحسب ، ويطلب المؤازرة أيضا ، ويستنفر الضمائر بشيء من المودّة حينا ، ومن التلويح بشيء آخر حينا ؛ فمن ذا يسانده ويعاضده عل أن يكون أخاه ووزيره وخليفته من بعده ، وهذا شيء جديد ، بأمر جديد ، وقد وجم القوم ، ولاحت إمارات الغضب يمثلّها أبو لهب فيقول : ألهذا جمعتنا يا محمد ، تبا لك ولما جمعتنا له ، وينزل قوله تعالى : ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ) (١) وتظهر ضحكات الهزء والسخرية حينا ، حينما ينعم عليّ له بالاجابة ثائرا : « لا يحزنك والله إعنات القوم فعليهم ضلالهم ، وإني يا رسول الله عونك ، أنا حرب على من حاربت ». إجابة بالرضا من وجه ، وإعلان للنضال من وجه آخر ، وهما معا يبدءان العمل بين محمد وعلي ، فيعلن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم للملأ من قريش مخاطبا عليا : « أنت أخي ووزيري وخليفتي من بعدي » فيلتفت ممثل قريش لأبي طالب عاتباً : » مرحاً لك فقد أمّر إبنك عليك« وتتكرر هذه البادرة مرات لا يستجيب لها إلا علي بن أبي طالب عليهالسلام فيمنحه النبي ما منح من الأخوّة والوزارة والوصية والإستخلاف بحسب تعدد النصوص الروائية المستفيضة.
وتبدأ أيام النضال ، وحياة المجابهة ، فقد اشتدت قريش على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى هذه العصابة اليسيرة من أهل بيته وصحابته ممن آمن معه من ضعفاء القوم ، فالأذى لا يبرح ، والعبث لا يهدأ ، والسخرية في القول والعمل يتحدان بمنظور واحد ، والخوف يملأ نفوس المسلمين ، فلا النهار مشرق القسمات ، ولا الليل ضاحك الأسارير ، ولم تقف قريش عند هذا التجاوز ، ولكنها آمعنت في التضييق ، فتعاهدت فيما
__________________
(١) سورة المسد ، الآية : ١.