يجتهد فيما لم
يحضره من الأحكام.
إنّ الصحابي قد
يسمع من النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) في واقعة ، حكماً ويسمع الآخر في مثلها خلافه ، وتكون
هناك خصوصية في أحدهما اقتضت تغاير الحكمين غفل أحدهما عن الخصوصية ، أو التفت
إليها وغفل عن نقلها مع الحديث ، فحصل التعارض في الأحاديث ظاهراً ، ولا تنافي
واقعاً ؛ ومن هذه الأسباب وأضعافِ أمثالها احتاج حتى الصحابة الذين فازوا بشرف
الحضور ، في معرفة الأحكام إلى الاجتهاد والنظر في الحديث ، وضمّ بعضه إلى بعض ،
والالتفات إلى القرائن الحالية ، فقد يكون للكلام ظاهر ، ومراد النبي خلافه
اعتماداً على قرينة في المقام ، والحديث نُقِلَ والقرينة لم تنقل.
وكلُّ واحد من
الصحابة ، ممّن كان من أهل الرأي والرواية ، تارة يروي نفس ألفاظ الحديث ، للسامع
من بعيد أو قريب ، فهو في هذا الحال راو ومحدث ، وتارة يذكر الحكم الذي استفاده من
الرواية ، أو الروايات بحسب نظره واجتهاده فهو في هذا الحال ، مفت وصاحب رأي.
٣. وهناك وجه ثالث
وهو انّ صاحبَ الشريعة ما عُني بالتفاصيل والجزئيات لعدم سنوح الفرص ببيانها ، أو
تعذر بيان حكم موضوعات لم يكن لها نظير في حياتهم ، بل كان تصوّرها لعدم وجودها
أمراً صعباً على المخاطبين ، فلا محيص لصاحبِ الشريعةِ عن إلقاء أُصول كلية ذات
مادة حيويّة قابلة لاستنباط الأحكام وفقاً للظروفِ والأزمنة.
٤. انّ حياة الدين
مرهونة بمدارسته ومذاكرته ولو افترضنا أنّ النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ذكر
__________________