وبذلك فقد أسّسوا
أشبه بمدرسة همّها الأول تربية الناس على اختلاف مشاربهم ، وتخريج كوادر لامعة في
حقول الأدب والعلم والمعرفة الإنسانية : النظرية والتطبيقية.
٢ ـ النزعة
التقريبية في تعاملهم مع الآخرين. فرغم المعاناة الّتي تلقّاها بعضهم ، وسوء
المعاملة الّتي أبداها بعض السلاطين حيال بعضهم ، إلّا أنّهم حافظوا على هدوئهم
وتقاربهم مع الناس ولو كانوا على خلاف رأيهم ، وإن حدث نقاش وحوار مع أطراف أخرى
مالوا نحو أدب الاعتراض القائم على الحوار العلمي والمناقشة الموضوعية ، من غير
تعصّب ولا عواطف شخصية.
وبذلك جسّدوا بصورة
عملية ثقافة التقريب ، حيث لم يلتزموا مواقف حادّة تثير التشنّج والاضطراب في
المجتمع الإسلامي ، أو القيام بمبادرات من شأنها أن تمزّق وحدة المسلمين ، وإضعاف
دولة الاسلام الفتية.
لذا دعونا نقول :
إنّهم أثبتوا الخطوة الأولى للحركة التقريبية في تاريخ الإسلام.
ولعلّ أوّل شخصية
من شخصيات أهل البيت عليهمالسلام الّتي قامت بتثبيت هذه الخطوة ، وأسّست الانطلاقة الأولى
في هذا الدرب ، هي السيدة فاطمة الزهراء عليهاالسلام ابنة النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآله.
لقد شهدت الزهراء
البتول ظروف الدعوة الإسلامية ، وتفاصيل انبعاث الفجر المنير ، وشطرا من بناء
الدولة الإسلامية الحديثة ، لكنّها عليهاالسلام رغم ما جرى عليها من أمور متميّزة تتعلّق بجوانب من حقوقها
، آثرت ترجيح مصلحة الإسلام والدولة الفتية على مصلحتها الشخصية رغم حاجتها
الماسّة إليها ، وفزعت إلى جانب الحوار الهادئ والنقاش الموضوعي الصحيح ، ولم تبغ
ضجّة ولا اضطرابا في المجتمع الجديد ، وكانت بمقدورها ذلك وهي سليلة النبيّ الأكرم
، العالمة والمفوّهة الناطقة.
فليس غريبا أن
يفرد لها أبوها النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآله شطرا كبيرا من وقته ليجالسها