وأما حروف النصب وإن كانت مشبهة بالأفعال فيجوز أن يتأخر ما تعمل فيه عنها كقولك : ليت في الدار زيدا ، فلهذا لم يقبح ولم يضر الفصل فيها كما لم يقبح التأخير فيها.
واعلم أن بعض النحويين يعتقد أن (ما) في قولك : إنما زيد قائم ، وما (١) أشبهها من أخواتها اسم (٢) وموضعها نصب ، والجملة التي بعدها في موضع الخبر ، وشبه ذلك بالهاء التي هي ضمير الأمر والشأن نحو قولك : إنه زيد قائم ، وقول هذا الرجل باطل من جهات أنه لو كانت في هذا الموضع اسما وما بعدها خبر لوجب أن يرجع من الجملة ذكر إلى (ما) فلما (٣) لم يرجع إليها ضمير علمنا أنها زائدة وليست باسم.
وجه آخر أن ضمير الأمر والشأن لا يضمر إلا بعد تقدم الذكر وتصير الجملة التي بعدها مفسرة له ، إن هذا الضمير إنما يعتمد على الذكر الذي قد جرى فلهذا احتاجوا إلى تفسير وليس كضمير يختص اسما بعينه. وقولك : إنما زيد قائم ، لا يصح الكلام به من غير تقدمة خبر بوجه من الوجوه على أن (ما) نصب ب (أن) فعلم بذلك أن (ما) لا تشبه ضمير الأمر والشأن لأنه لا يضمر إلا بعد تقدمة الذكر ، وتصير الجملة التي بعده مفسرة له.
/ ووجه ثالث أن (ما) إذا أدخلت على (أن) غيّرت معناها ويدخلها معنى التقليل (٤) كقولك : إنما زيد قائم ، وهذا [يدل على](٥) أن (ما) تستعمل إذا
__________________
(١) في الأصل : وأما.
(٢) قال ابن هشام : " وزعم ابن درستويه وبعض الكوفيين أن (ما) مع هذه الحروف اسم مبهم بمنزلة ضمير الشأن في التفخيم ، والإبهام ، وفي أن الجملة بعده مفسرة له ، ومخبر بها عنه ، ..." المغني ١ / ٣٤٠.
(٣) في الأصل : فلم ، وقد وأثبت المناسب.
(٤) أي قصر الاسم الذي تدخل عليه إنما على صفة واحدة من الصفات الكثيرة التي يمكن أن يوصف بها.
(٥) زيادة ليست في الأصل. يقتضيها السياق.