أكثر (١) من الإيجاب الذي يستحقه المبتدأ وإنما يدخلان لتوكيد الإيجاب وكان حقهما ألا يعملا شيئا ولكن شبّها بالفعل من جهة لفظهما دون معناهما فصار عملهما ضعيفا ، فإذا أدخلت عليهما (ما) حالت بينهما وبين ما يعملان فيه فضعفا عن العمل ، وأما أخواتها ففيها معاني الأفعال نحو التشبيه ، والترجي ، والتمني ، وتزيل أيضا معنى الابتداء فقويت فجاز أن تعمل مع وجود الحائل بينها وبين ما تعمل فيه.
فإن قال قائل : فلم صار عمل هذه الحروف إذا دخلت (ما) بينها وبين ما تعمل فيه أضعف من حروف الجر إذا دخلت بينها وبين ما تعمل فيه؟.
قيل له : إن حروف الجر تعمل على أنها أصل في العمل وليست مشبهة بغيرها ، فأما هذه الحروف فإنها تعمل تشبيها بالفعل ، فما هو أصل في نفسه أقوى مما هو مشبه بغيره.
فإن قال قائل : فلم صارت (ما) بالزيادة أولى من سائر الحروف؟.
قيل له : لأنها تصرف على جهات كثيرة ، وليس مع هذا لها معنى في نفسها إذا كانت زائدة فحسن إلغاؤها من بين سائر الحروف لكثرة تصرفها وزوال معناها ، وقد يمكن أن تجعل (ما) في قوله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) [النساء : ٤ / ١٥٥](٢) غير زائدة وتكون اسما بنفسها مبهما و (نقضهم) بدل منها ، فعلى هذا الوجه لا تكون قد فصلت بين الباء وما تعمل فيه ، فإذا صح هذا الوجه لم يلزم الانفصال الأول بين (ليت) وأخواتها وبين حروف الجر وإن كانت أصلا في العمل ، فهي وما تعمل فيه كالشيء الواحد ولا يجوز تقديم ما تعمل فيه ولا تأخيره ، فضعف الفصل بينها وبين ما تعمل فيه كما ضعف التقديم والتأخير.
__________________
(١) مكرر في الأصل.
(٢) والآية (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً).