أكثر من الإيجاب الذي يستحقه المبتدأ وإنما يدخلان لتوكيد
الإيجاب وكان حقهما ألا يعملا شيئا ولكن شبّها بالفعل من جهة لفظهما دون معناهما
فصار عملهما ضعيفا ، فإذا أدخلت عليهما (ما) حالت بينهما وبين ما يعملان فيه فضعفا
عن العمل ، وأما أخواتها ففيها معاني الأفعال نحو التشبيه ، والترجي ، والتمني ،
وتزيل أيضا معنى الابتداء فقويت فجاز أن تعمل مع وجود الحائل بينها وبين ما تعمل
فيه.
فإن قال قائل :
فلم صار عمل هذه الحروف إذا دخلت (ما) بينها وبين ما تعمل فيه أضعف من حروف الجر
إذا دخلت بينها وبين ما تعمل فيه؟.
قيل له : إن
حروف الجر تعمل على أنها أصل في العمل وليست مشبهة بغيرها ، فأما هذه الحروف فإنها
تعمل تشبيها بالفعل ، فما هو أصل في نفسه أقوى مما هو مشبه بغيره.
فإن قال قائل :
فلم صارت (ما) بالزيادة أولى من سائر الحروف؟.
قيل له : لأنها
تصرف على جهات كثيرة ، وليس مع هذا لها معنى في نفسها إذا كانت زائدة فحسن إلغاؤها
من بين سائر الحروف لكثرة تصرفها وزوال معناها ، وقد يمكن أن تجعل (ما) في قوله
تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ
مِيثاقَهُمْ) [النساء : ٤ / ١٥٥] غير زائدة وتكون اسما بنفسها مبهما و (نقضهم) بدل منها
، فعلى هذا الوجه لا تكون قد فصلت بين الباء وما تعمل فيه ، فإذا صح هذا الوجه لم
يلزم الانفصال الأول بين (ليت) وأخواتها وبين حروف الجر وإن كانت أصلا في العمل ،
فهي وما تعمل فيه كالشيء الواحد ولا يجوز تقديم ما تعمل فيه ولا تأخيره ، فضعف
الفصل بينها وبين ما تعمل فيه كما ضعف التقديم والتأخير.
__________________