فلما كانت هذه الأفعال متضمنة لمعنى النفي ومن شرط النفي إذا دخل عليه نفي صار إيجابا ألا ترى أن قول القائل : ما زال زيد ذاهبا معناه أنه ذاهب فلهذا خصت بالنفي ، وغيرها من الأفعال لا تتضمن النفي وإنما هي للإيجاب المحض نحو : كان ، وأصبح وما أشبههما ، فإن أردت الإيجاب جردتهما من حروف النفي ، فإن أردت النفي أدخلت (ما) فاعلمه.
واعلم أن كان تستعمل على ثلاثة أوجه (١) : أحدها : أن ترفع الاسم وتنصب الخبر ، كما (٢) ذكرناه ، فهذه إنما هي عبارة عن الزمان فقط.
والوجه الثاني : أن تقع ملغاة من العمل والمعنى ، وقد تكون ملغاة من العمل دون المعنى ، وأحسن ذلك فيها إذا أردت الإلغاء أن تؤخرها أو توسطها ، فمما جاءت فيه ملغاة في المعنى واللفظ الإلغاء بعد التوكيد وتحسين اللفظ قوله تعالى : (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) [مريم : ١٩ / ٢٩](٣) ، والمعنى كيف نكلم من صار في المهد صبيا ، فصبيا نصب على الحال والعامل فيه نكلم والتقدير : كيف نكلم من هو في المهد في حال الصبا ، ولو جعلت كان معنى الماضي يخرج عيسى عليهالسلام من أن يكون له اختصاص بهذا الحكم من بين سائر الناس ، ألا ترى أن جميع الناس قد كانوا صبيانا في المهود فدل بعجب القوم من قول مريم أن عيسى عليهالسلام يتكلم في حال الصبا (٤) فأما ما تدخل فيه ملغاة في العمل دون المعنى فنحو قولك : زيد كان قائم ، والمعنى زيد قائم كان ، فقد أفادت (كان) معنى المضي وإن لم تعمل. واعلم أن (كان) متى ألغيت فلا بد لها من فاعل في
__________________
(١) للتفصيل انظر شرح ابن عقيل على الألفية ١ / ٢٨٨.
(٢) كتبت في الأصل : كاما.
(٣) والآية : (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ،) ذكر العكبري في التبيان الوجوه المختلفة في إعرابها ؛ فذكر الحال ، وزيادة كان ، كما ذكر كونها تامة وناقصة وبمعنى صار. ووجه الحال لا يحوج إلى معنى صار. انظر : إملاء ما منّ به الرحمن ١١٣.
(٤) وهذا الكلام مطابق تماما لما قال المبرد في المقتضب ٤ / ١١٧ ـ ١١٨ (لجنة إحياء التراث).