مساجدهم العمل ، وسقوا زرعهم من دموع أعينهم حتى نبت زرعهم ، وأدرك الحصاد ليوم فقدهم فوجدوا عاقبة ذلك عند ربهم في يوم يحشر فيه ، المبطلون قلوبهم معلقة عند ربهم وأجسادهم في الدنيا منتصبة ، قد غلبهم اليوم فخرّوا على وجوههم لما رجوا من رحمته ورهبوا من عذابه ، فمن يكون زرعه المرّ لا يحصد حلوا ومن يكن الحلو زرعه لا ينبت له المرّ ، ومن كان زرعه مرّا حصد في آخر زمانه مرّا مثل ما زرعه ، ومن كان زرعه حلوا فحصد (١) في آخر زمانه مثل زرعه ، كما لا يجتنى من الشوك التمر ، كذلك لا يجزى السيئ إحسان ، بحقّ أقول لكم : إنّ الدنيا خلقت وجعلت مزرعة توزع فيها العباد الخير والشرّ ، فمنفعة الخير يوم حصاده ومزرعة الشرّ شقاء وبلاء وعذاب في يوم حصاده ، ضرب الله لكم مثل الآخرة خلقت للحصاد ، والدنيا جعلت للزرع ، فمن زرع وبذر اليوم فإنه يحصد يوم القيامة ، فليتفكّر المتفكّر فيما يضره وما ينفعه ، فإن الخير ينفعه والشرّ يضره. فأحسن ابن آدم إلى طبيبك يقوم عليك في السقم غدا ، فسقمك لا يزال يعتريك (٢) .... (٣) الطبيب لم تفعل فكيف تفعل بك الكرامة ، وأنت إياه لم تكرم فصابعوا (٤) ربكم اليوم ليوم الأكبر وتجهزوا للعرض عليه ، فإنه قد دنا من الله إليكم فراغ ، فكان منكم كطرفة عين الناظر ، لا تمشوا مع الأشرار فتشبّهون بهم ، فإن للحكماء فيهم عبرة ، وعبرة الحكماء لهو السفهاء ، ولهو السفهاء عبرة الحكماء ، فالحكيم يعتبر بالجاهل ، والجاهل ..... (٥) بهواه عليكم ما كسبتم فاجتمعوا عليها وأطيلوا حبسها ، لا يخرج من أفواهكم ما لا يحلّ لكم ، قد جعل الله لألسنتكم أطباقا فأطبقوها. فأعرض للمؤمن الكلام ما لا يحلّ وقد جعل الله لأعينكم أطباقا فأطبقوا عند ما لا يحلّ لكم. يا عبيد الدنيا إنه من لا يستعين على حمله لا يستطيع أن يحمله ، ومن لا يتوب إلى ربه كيف يغفر له ، ومن لا يغسل (٦) فكيف يغنيه ، ومن لا يتب من الخطايا كيف يقبل منه؟ ومن يركب البحر بغير سفينة كيف ينجو من الغرق؟ ومن لا يترك المعاصي كيف يتخلص من الذنوب؟ ومن لا يتناول الطعام بيده كيف يأكله؟ ومن لا يتواضع لربه كيف
__________________
(١) كذا بالأصل.
(٢) بدون إعجام بالأصل.
(٣) كلمة غير مقروءة بالأصل.
(٤) كذا رسمها بالأصل.
(٥) مطموسة بالأصل.
(٦) كذا رسمها بالأصل.