يحيى (١) ...... (٢) ، وأبو العشائر محمّد بن خليل بن فارس قالوا : أنا أبو القاسم بن أبي العلاء ، أنا أبو محمّد بن أبي نصر ، أنا أبو الحسن بن حذلم ، نا خالد بن روح ، نا هشام بن عمار ، نا ابن سعيد بن عبد العزيز ، عن أبيه :
أن عمر بن عبد العزيز كان يقول : أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله فيما أحببتم وعند ما تكرهون ، واعلموا أنه من لم يرض عن الله فيما كره لم يؤد إليه شكره فيما يحب ، وأحذركم الدنيا فإنها دار ابتدع الله خلقها بعلمه ليبلو فيها أعمال عباده ، فمن تكن الدنيا نيته ويكون عمله فيها لها لا يكون له في الآخرة نصيب ، ومن تكن الآخرة نيته ويكون (٣) عمله في الدنيا لغيرها يكن له عمل في شغل العباد فراغا يطمئن إليه ، واعلموا أن الدنيا قلة لمن أكثر منها ، وكثرة لمن أقلّ منها ، وتهاون بها التماس ما عند الله. فكأنما قد كان من الدنيا لم تكن. وكأنما هو كائن من الآخرة لم يزل ، فعليكم بتقوى الله فتزودوها في مهلكم قبل شغلكم ، فإنّ أمركم إلى غيركم ، قد ولّاه الله قبض أرواحكم ، فمن توفته رسل الله على معاصي الله ، فويل لتلك الأرواح التي خرجت من روح الدنيا ، وبرد شرابها ولين نعيمها فأبدلت به بؤسا لا يزول شقاؤه ولا يبرد حره ولا تخبو ناره ، وذلك لما كان من غفلتهم في الدنيا حتى نزل بهم الموت والله لهم عدو وهم له مسخطون ، فلا دنيا لهم بقيت ولا آخرة لهم صارت ، ولا الدنيا حين ذهبت كان يصيبهم منها ما بهم من نعيمها ، ولا الآخرة حين عاينوها أصابوا سرورها وأمنوا من عقوبتها ، ولكنهم أقلبوا بعد نعيم الدنيا إلى ضيق المنزل من جهنم ، فبادروا هذا الموت بالعمل الزكي فإنكم قد رأيتم ما يأتي آخر الدنيا حين يكون أحدكم قريبا للموت مستبسلا قد أيقن بالفراق والتقت الساق بالساق ، فصرن لتلك الأرواح التي خرجت من روح الدنيا وبرد شرابها إلى نزل الحميم ليس بذائق فيها شرابا ولا تتلاقى الجفون فيها بنوم أبدا ، فبادروا بأعمالكم آجالكم ، فإنكم عن قليل ميتون ألا ترون إلى من قد مات ، ما أبعد قراره وأنسى منزله وأفقره إلى العمل الصالح ، وأندمه على ما كان من شبابه وشدة اغتباطه بكل خير قدمه ، فالسعيد من اتعظ بغيره ، نسأل الله أن يجعل لنا ولكم في كل ما يرضى به عنا حظا ونصيبا ، وأن يجعل منقلبنا وإياكم إلى خير دائم لا يزول.
__________________
(١) تحرفت بالأصل إلى : «جنى» قارن مع مشيخة ابن عساكر ٢١٩ / ب.
(٢) بياض بالأصل.
(٣) بالأصل : ويكن.