يعقوب ، أنا أحمد بن إبراهيم القرشي ، نا ابن عائذ قال : فحدّثني شيخ من موالي ابن هبيرة عن عمر بن هبيرة قال :
كنا قد بلغنا من حصارهم ما بلغنا ، وكان بنا من الأزل (١) والمرض نحوا (٢) مما بهم وأشدّ ، وكنت نازلا (٣) بجماعة سفن على ساحلهم مما يلي عسكر المسلمين ، في مركبي ، فيه مبيتي إلّا أن أركب إلى مسلمة فأشهد أموره ، فإذا لم أركب خرجت في برد النهار إلى مجلس على تلّ مشرف على مراكبي ، وعلى عسكر المسلمين ، ويخرج إليّ أمراء أجنادي ، وأهل الهيئة منهم ، فكان ذلك التل من تلك الساعات لنا مجلسا ومتحدثا ، فبينا أنا ذات غداة ـ أو قال : عشية ـ جالس عليه في جماعة ، إذ بقارب قد خرج من بابه (٤) ميناء القسطنطينة يقصد إلينا ، فيه رجال من الروم عليهم الديباج قال : فقلت : رسول الطاغية إليّ في أمر يكلمني به ، فإن أتانا في مجلسنا أشرف على (٥) رثاثة سفننا وسوء حالنا ، سرّه ذلك ، وازداد قوة علينا ، فقمت إلى مركبي فجلست مجلسي فيه وجلس معي أمراء أجنادي ، وأهل الهيئة من الناس ، وأمرت أهل السفن أن يواروا ما قدروا عليه من سوء حالهم ، فلما دنوا نادونا بالأمان ، فجعلته لهم ، فأقبل رسول الطاغية في أصحابه في هيئة وتملّك في أنفسهم ، حتى صعد إليّ فسلّم ، وأذنت له فجلس ، وجلسوا ، ثم أنشأ يقول : إنا بعثنا لأمر فنذكره لكم ، ورأيت منكم شيئا عرفت به سوء حالكم ، وإنك أردت بقيامك عن التل ومجلسك الذي كنت فيه ألا آتيك فيه ، فأشرف على رثاثة سفنكم وسوء حالكم ، ثم تهيأت لي بما أرى مما ليس خلفه قوة (٦) وقد صرتم من حالكم إلى أسوأ مما نحن فيه. إن الملك يقرأ عليك السلام ويقول : إنه قد كان من نزولكم علينا وإقامتكم إلى هذا اليوم ما قد علمتم ، وقد بلغ منا ومنكم ، وما أنتم فيه أشد ، وقد عرضت على مسلمة فدية صلح على كل إنسان بالقسطنطينة من رجل وامرأة وصبي دينارا دينارا على أن ترحلوا عنا إلى بلادكم ، فإن شئتم اقتسمتم هذه الدنانير بينكم مغنما ، وإن شئتم ذهبتم بها إلى خليفتكم فأدخله بيت ماله فصنع ما أراد ، فسخط ذلك مسلمة وتأبى علينا ،
__________________
(١) الأزل : الضيق والشدة.
(٢) بالأصل : نحو.
(٣) بالأصل : «وكتب قال : لا».
(٤) كذا.
(٥) بالأصل : وعلى.
(٦) بالأصل : «خلعتموه» كذا رسمها ، والمثبت عن المختصر.