الجواد ، فإنّهم يعطون عن محدود ، وعطاؤك لا حدّ له ، ولا صفة. فيا جواد (١) يعلو كل جواد ، وبه جاد كل من جاد.
وقال الشبلي (٢) :
ما قلت : الله قط إلّا واستغفرت الله من قولي : الله.
قال السلمي : سمعت علي بن عبد الله البصري يقول :
وقف رجل على الشبلي فقال : أي صبر أشد على الصابر؟ فقال : الصبر في الله ، قال : لا ، قال : الصبر لله ، قال : لا ، قال : الصبر مع الله ، قال : لا ، قال : فأيش؟ قال : الصبر عن الله ، فصرخ الشبلي صرخة كادت روحه أن تتلف.
وسئل الشبلي عن المحبة ، فقال : الميم محو الصفات ، والحاء : حياة القلوب بذكر الله ، والباء بلى الأجساد ، والهاء : هيمان القلوب في ذات الله.
قال بندار بن الحسين :
سمعت الشبلي يقول يوم الجمعة وهو يتكلم على الناس ، وقد سأله شاب فقال : يا أبا بكر ، لم تقول : الله ، ولا تقول : لا إله إلّا الله؟ قال الشّبلي : أخشى أن أؤخذ في كلمة الجحود فلا أصل إلى كلمة الإقرار. قال الشاب : أريد حجة أقوى من هذه ، فقال : يا هذا ، قال الله تعالى : (قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ)(٣) ، قال : فزعق الشاب زعقة ، فقال الشبلي : الله ، فزعق ثانية ، فقال الشبلي : الله ، فزعق الثالثة ، فمات. فاجتمع إليه أبواه ، فقدماه إلى الخليفة ، وادعيا عليه الدم ، فقال له الخليفة : يا أبا بكر ، ما ذا صنعت؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، روح جنت فرنت ، ودرّبت ، فعلمت ، ودعيت ، فأجابت ، فما ذنبي؟ فصاح الخليفة ثم أفاق فقال : خلّيا سبيله ، لا ذنب له. هذا قتيل لا دية له ولا قود.
قال السلمي : سمعت أبا بكر الأبهري (٤) الفقيه ببغداد يقول : سمعت الشبلي يقول :
الانبساط بالقول مع الحقّ ترك الأدب ، وترك الأدب يوجب الطرد ، ومن لم يراع أسراره مع الحق لا يكاشف عن عين الحقيقة بذرّة.
__________________
(١) في مختصر أبي شامة : «يا جوادا» والمثبت عن حلية الأولياء.
(٢) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ٣٩٠ وسير الأعلام ١٥ / ٣٦٨.
(٣) سورة الأنعام ، الآية : ٩١.
(٤) هو عبد الله بن طاهر الأبهري ، أبو بكر ، من أقران الشبلي ، ومن مشايخ الجبل ، عالم ورع توفي حوالي سنة ٣٣٠ ه. أخباره في الرسالة القشيرية ص ٣٩٠.