كان ابن مجاهد يوما عند أبي ، فقيل له : الشبلي؟ قال : يدخل. فقال ابن مجاهد : سأسكته الساعة بين يديك ؛ وكان من عادة الشبلي إذا لبس شيئا خرق فيه موضعا (١) ، فلما جلس قال له ابن مجاهد : يا أبا بكر ، أين في العلم إفساد ما ينتفع به؟ قال له الشبلي : أين في العلم (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ)(٢)؟ قال : فسكت ابن مجاهد. فقال له أبي : أردت أن تسكته فأسكتك! ثم قال له : قد أجمع الناس أنك مقرئ الوقت ؛ أين في القرآن : الحبيب لا يعذّب حبيبه؟ قال : فسكت ابن مجاهد ، فقال له أبي : قل يا أبا بكر. فقال : قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ)(٣). فقال ابن مجاهد : كأنني ما سمعتهما (٤) قط.
قال السلمي : سمعت أبا عبد الله الرازي يقول :
قال أبو العباس بن شريح يوما للشبلي : يا أبا بكر ، أنت مع جودة خاطرك وفهمك لو شغلته بشيء من علوم الفقه؟ فقال : أنا أشتغل بعلم يشاركني فيه مثلك؟!.
قال القشيري (٥) : سمعت أبا حاتم السجستاني يقول : سمعت أبا نصر السراج يقول :
سئل الشبلي ، فقيل له : أخبرنا عن توحيد مجرد بلسان حقّ مفرد؟ فقال : ويحك! من أجاب عن التوحيد بالعبارة فهو ملحد ، ومن أشار إليه فهو ثنويّ (٦) ، ومن أومأ إليه فهو عابد وثن ، ومن نطق فيه فهو غافل (٧) ، ومن سكت عنه فهو جاهل ، ومن توهم (٨) أنه واصل فليس له حاصل ، ومن رأى (٩) أنه قريب فهو بعيد (١٠) ، ومن تواجد فهو فاقد ، وكل ما ميزتموه
__________________
(١) العبارة في حلية الأولياء : أخبرت أنك تحرق الثياب والخبز والأطعمة وما ينتفع به الناس في منافعهم ومصالحهم.
(٢) سورة ص ، الآية : ٣٣.
(٣) سورة المائدة ، الآية : ١٨.
(٤) في تاريخ بغداد : سمعتها.
(٥) الخبر في الرسالة القشيرية ص ٣٠١ ورواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ١٠ / ٣٧٤.
(٦) ثنوي من أتباع الثنوية وهم أصحاب ماني وأشياعه ، وهم يقولون بوجود مبدأين أساسيين متضادين لا ينفكان وهما في حالة صراع دائمة ، وهما مبدأ الخير ومبدأ الشر. وقيل مبدأ النور ومبدأ الظلمة.
(٧) في مختصر أبي شامة : عاقل ، تصحيف ، والمثبت عن الرسالة القشيرية وحلية الأولياء.
(٨) في الرسالة القشيرية : وهم.
(٩) في مختصر أبي شامة : أرى ، والمثبت عن الرسالة القشيرية.
(١٠) في حلية الأولياء : ومن أرى أنه عتيد فهو بعيد.