قال سيف بن عمر عن محمّد بن عون عن عكرمة عن ابن عباس قال (١) :
كان أبو ذرّ يختلف من الرّبذة إلى المدينة مخافة الأعرابية (٢) ، فكان يحبّ الوحدة والخلوة. فدخل على عثمان وعنده كعب الأحبار ، فقال عثمان : ألا ترضون من الناس بكفّ الأذى حتى يبذلوا المعروف ، وقد ينبغي للمؤدي الزكاة ألّا يقتصر عليها حتى يحسن إلى الجيران والإخوان ، ويصل القرابات. فقال كعب : من أدّى الفريضة فقد قضى ما عليه ، فرفع أبو ذرّ محجنة ، فضربه ، فشجّه ، فاستوهبه عثمان ، فوهبه له ، وقال : يا أبا ذرّ ، اتّق الله ، واكفف يدك ولسانك. وقد كان قال له : يا بن اليهودية ، ما أنت وما هاهنا؟! والله لتسمعنّ مني أو لا أدخل عليك ، والله لا يسمع أحد من اليهود إلّا فتنوه.
قال زيد بن وهب : حدّثني أبو ذرّ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
«إذا بلغ البناء سلعا فارتحل إلى الشام». فلما بلغ البناء سلعا قدمت الشام ، وكنت بها ، فتلوت هذه الآية (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ)(٣) ، فقال معاوية : هذه للكفّار ، فقلت : هي لأهل الإسلام. فكتب إلى عثمان : إنّ هذا يفسد ، فكتب إليّ عثمان ، فقدمت المدينة ، فأجفل الناس ينتظرونني ، كأنّهم لم يروني قط ، فقال لي عثمان : لو ارتحلت إلى الرّبذة؟ قال : فارتحلنا إلى الرّبذة.
وفي رواية (٤) : مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذرّ ، فقلت : ما أنزلك هذا؟ قال : كنت بالشام ، فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) ، فقال معاوية : نزلت في أهل الكتاب ، وقلت : نزلت فينا وفيهم. فكان بيني وبينه في ذلك كلام ، فكتب يشكوني إلى عثمان ، فكتب إليّ عثمان أن أقدم المدينة ، فقدمت المدينة ، فكثر الناس عليّ كأنّهم لم يروني قبل ذلك ، فذكر ذلك لعثمان ، فقال : إن شت تنحّيت ، فكنت قريبا. قال : فذلك أنزلني هذا المنزل ، ولو أمّر عليّ حبشيّ لسمعت وأطعت.
قال موسى بن عبيدة (٥) : أخبرني ابن نفيع (٦) ، عن ابن عباس قال :
__________________
(١) رواه الذهبي في سير الأعلام (٣ / ٣٩٢) ط دار الفكر.
(٢) يعني توطن البادية بعد الهجرة.
(٣) سورة التوبة ، الآية : ٣٤.
(٤) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٤ / ٢٢٦.
(٥) من طريقه رواه الذهبي في سير أعلام النبلاء (٣ / ٣٩٢).
(٦) كذا في مختصر أبي شامة ، وسير الأعلام ، ولم أعرفه.