درهما ، أو تبرا ، أو فضّة لا يعدّه لغريم ، ولا للنفقة (١) في سبيل الله كوي به». قلت : يا أبا ذر ، انظر ما تخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإن هذه الأموال قد فشت. فقال : من أنت يا بن أخي؟ فانتسبت له ، قال : قد عرفت نسبك الأكبر ، ما تقرأ (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ)(٢)؟.
وفي رواية : قدم أبو ذرّ من الشام وأنا جالس مع عثمان بن عفان في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فجاء أبو ذرّ فسلّم عليه ، فقال عثمان : كيف أنت يا أبا ذرّ؟ قال : بخير ، فكيف أنت؟ ثم ولى وهو يقول : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ)(٣) ، ورفع صوته وكان صلب الصوت حتى ارتجّ المسجد بقراءة السورة كلها ، حتى مالت القراءة إلى سارية من سواري المسجد. فصلى ركعتين فتجوّز فيهما ، فاحتوشه الناس وقالوا : حدّثنا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وجلست قبالة وجهه.
فذكر نحو ما تقدم.
قال عبيد الله بن شميط : سمعت أبي يقول :
بلغنا أنّ أبا ذرّ كان يقول وهو في مجلس معاوية : لقد عرفنا خياركم من شراركم ، ولنحن أعرف بكم من البياطرة بالخيل. فقال رجل : يا أبا ذرّ ، أتعلم الغيب؟ فقال معاوية : دعوا الشيخ فالشيخ أعلم منكم ، من خيارنا يا أبا ذرّ؟ قال : خياركم أزهدكم في الدنيا ، وأرغبكم في الآخرة ، وشراركم أرغبكم في الدنيا وأزهدكم في الآخرة.
حدّثنا عبد الله بن الصامت قال (٤) :
دخلت مع أبي ذرّ في رهط من غفار على عثمان من الباب الذي لا يدخل عليه منه ، فتخوّفنا عثمان عليه ، فانتهى إليه ، فسلّم عليه وقال : أحسبتني منهم يا أمير المؤمنين؟ والله ما أنا منهم ، ولا أدركهم ، لو أمرتني أن آخذ بعرقوتيّ (٥) قتب لأخذت بهما حتى أموت. ثم استأذنه إلى الرّبذة ، فقال : نعم نأذن لك.
__________________
(١) في مختصر أبي شامة : النفقة.
(٢) سورة التوبة ، الآية : ٣٤.
(٣) سورة التكاثر ، الآيتان ١ و ٢.
(٤) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٤ / ٢٣٢.
(٥) العرقوتان خشبتان تضمان ما بين واسط الرحل والمؤخرة ، وقال الليث : وللقتب عرقوتان ، وهما خشبتان على عضديه من جانبيه (تاج العروس : عرق).