وعن عبيد بن عمير ، عن أبي ذر قال :
دخلت المسجد فإذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : «يا أبا ذرّ ألا أوصيك بوصايا إن أنت حفظتها نفعك الله بها؟» قلت : بلى بأبي أنت وأمي ، قال : «جاور القبور تذكر بها وعيد الآخرة ، وزرها بالنهار ، ولا تزرها بالليل ، واغسل الموتى ؛ فإن في معالجة جسد خاو عظة ، وشيع الجنائز ؛ فإن ذلك يحرّك القلب ويحزنه ، وأعلم أنّ أهل الحزن في أمن الله ، وجالس أهل البلاء والمساكين ، وكل معهم ، ومع خادمك لعلّ الله يرفعك يوم القيامة ، والبس الخشن الصّفيق (١) من الثياب تذلّلا لله ـ عزوجل ـ وتواضعا لعلّ الفخر والبطر لا يجدان فيك مساغا ، وتزيّن أحيانا في عبادة الله بزينة حسنة تعففا وتكرما ، فإن ذلك لا يضرك ـ إن شاء الله ـ وعسى أن يحدث لله شكرا» [١٣٣٤٧].
وذكر أبو ذرّ : هل كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال : ما لقيني قطّ إلّا صافحني (٢) ، ولقد جئت مرة ، فقيل لي : إنّ النبي صلىاللهعليهوسلم طلبك ، فجئت ، فاعتنقني ، فكان ذلك أجود وأجود.
وقال (٣) : أرسل إليّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم في مرضه الذي توفي فيه ، فأتيته ، فوجدته نائما (٤) ، فأكببت عليه ، فرفع يده فالتزمني.
وسئل علي بن أبي طالب عن أبي ذرّ ، فقال (٥) : علم العلم ثم أوكى (٦) ، فربط عليه ربطا شديدا.
وقال أيضا (٧) : أبو ذرّ وعاء مليء علما ثم أوكى عليه فلم يخرج منه شيء ، حتى قبض.
وقال أيضا (٨) : وعى علما عجز فيه وكان شحيحا حريصا ؛ شحيحا على دينه ، حريصا على العلم ، وكان يكثر السؤال ، فيعطى ويمنع ، أما إنّه قد ملئ له في وعائه حتى امتلأ.
__________________
(١) في مختصر أبي شامة : «الشقيق» والمثبت عن كنز العمال.
(٢) إلى هنا رواه أحمد بن حنبل في المسند ٨ / ١٠١ رقم ٢١٥٠٠ من طريق رجل من عنزة.
(٣) رواه أحمد بن حنبل في المسند ٨ / ١٠١ رقم ٢١٤٩٩ من طريق أيوب بن بشير عن فلان العنزي.
(٤) في المسند : مضطجعا.
(٥) رواه الذهبي في سير الأعلام (٣ / ٣٨٧) ط دار الفكر.
(٦) أي شده بالوكاء ، والوكاء : سير أو خيط يشد به فم السقاء.
(٧) القائل : علي بن أبي طالب رضياللهعنه ، والخبر عنه في سير الأعلام (٣ / ٣٨٧).
(٨) سير أعلام النبلاء المصدر السابق.