وقال أبو الخير (١) : جاورت بمكة سنة من السنين ، ومرّ عليّ بها شدائد ، وهمت نفسي بالسؤال ، فهتف بي هاتف : أما يستحي الوجه الذي تسجد لي به أن تبذله لغيري؟! فجلست.
وقال أبو الخير : من أنس بالله لم يستوحش من شيء.
قال أبو سعد إسماعيل بن علي الواعظ : سمعت جماعة من مشايخنا :
أن يوما صلّوا خلف أبي الخير الأقطع ، فلما سلّم قال رجل : لحن الشيخ. ففي نصف الليل خرج إلى البراز ، فرأى أسدا والشيخ يطعمه ، فغشي على الرجل ، فقال الشيخ : منهم من يكون لحنه في قلبه ، ومنهم من يكون يلحن بلسانه.
قال السّلمي (٢) : سمعت جدي إسماعيل بن نجيد (٣) يقول :
دخل على أبي (٤) الخير الأقطع بعض البغداديين ، وقعدوا يتكلمون بين يديه ، وضاق صدره ، فخرج ، فلمّا خرج جاء السبع ، ودخل البيت ، فسكتوا ، وانضمّ بعضهم إلى بعض ، وتغيّرت ألوانهم ، فدخل عليهم أبو الخير وقال : يا سادتي ، أي تلك الدعاوى؟
قال أبو القاسم القشيري :
وأبو الخير التّيناتي مشهور بالكرامات. حكي [عن](٥) إبراهيم الرقي (٦) أنّه قال : قصدته مسلّما ، فصلى صلاة المغرب ، فلم يقرأ الفاتحة مستويا ، فقلت في نفسي : ضاعت سفرتي. فلمّا سلمت خرجت للطهارة ، فقصدني السّبع ، فعدت إليه فقلت : إن الأسد قصدني ، فخرج ، وصاح على الأسد. وقال : ألم أقل لك لا تتعرّض لضيفاني؟ فتنحى. وتطهّرت ، فلما رجعت قال : اشتغلتم بتقويم الظاهر فخفتم الأسد ، واشتغلنا بتقويم القلب فخافنا الأسد.
قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ :
بكرت يوما إلى أبي عثمان المغربي (٧) ، فقعدت معه إلى أن أذنوا لصلاة الظهر ، ثم
__________________
(١) الخبر رواه ابن الجوزي في صفة الصفوة ٤ / ٢٨٣.
(٢) الخبر من طريقه رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ١٠ / ٣٣٧.
(٣) هو إسماعيل بن نجيد بن أحمد بن يوسف ، أبو عمرو النيسابوري ، ترجمته في سير أعلام النبلاء (١٢ / ٢٨١ ت ٣٣٠٢) ط دار الفكر.
(٤) في مختصر أبي شامة «أبو» خطأ ، والصواب عن حلية الأولياء.
(٥) زيادة اقتضاها السياق.
(٦) هو إبراهيم بن داود الرقي ، أبو إسحاق ، من كبار مشايخ الشام ، انظر أخباره في الرسالة القشيرية ص ٤١٥.
(٧) اسمه سعيد بن سلام المغربي ، أبو عثمان ، واحد زمانه لم يوصف قبله مثله ، توفي بنيسابور سنة ٣٧٣ ، أخباره في الرسالة القشيرية ص ٤٣٤.