أكثم عن القضاء بجعفر بن عبد الواحد جاءه كاتبه فقال : سلّم الديوان ، فقال : شاهدان عدلان على أمير المؤمنين أنه أمرني بذلك ، فأخذ منه الديوان قهرا ، وغضب عليه المتوكل ، فأمر بقبض أملاكه ، ثم أدخل مدينة السلام وألزم منزله.
أنبأنا أبو الفرج غيث (١) بن علي ، أنا أبو المنجى حيدرة بن علي الأنطاكي المالكي ، وأبو عبد الله محمّد بن أبي نعيم النسوي الشافعي ، أنا أبو محمّد بن أبي نصر ، أنا عمي أبو علي ، نا ابن بكر ، نا بكر الفقيه القاضي ، قال : سمعت محمّد بن يوسف القاضي يقول : سمعت إسماعيل بن إسحاق يقول : كان يحيى بن أكثم أبرأ إلى الله عزوجل من أن يكون فيه شيء مما رمي به من أمر الغلمان ، ولقد كنت أقف على سرائره ، فأجده شديد الخوف لله ، ولكنه كانت به دعابة وحسن خلق ، فرمي بما رمي به.
أخبرنا أبو العزّ السلمي ـ مناولة وإذنا وقرأ عليّ إسناده ـ أنا محمّد بن الحسين ، أنا المعافى بن زكريا ، نا محمّد بن الحسن بن زياد المقرئ (٢) ، نا عبد الله بن محمود قال :
رأيت قاضي القضاة يحيى بن أكثم بمكة وقد وقف يلاحظ حجاما عليه أنف كأنه أزج (٣) ، فقلت له : أيها القاضي ، ما هذا الوقوف؟ فقال لي : ذرني ، فإني أريد أن أنظر إلى هذا ، كيف يستوي له يمص المحجمة مع هذا الأنف ، وقد كان رجل جالس بين يدي الحجّام ، ففطن به الحجام ، فقال له : ما لك قائم تنظر إليّ؟ ليس ونور الله أضرب في قفا هذا بمعولي وأنت واقف ، فتوارينا عنه ، فإذا هو يعطف أنفه بيده اليسرى ، ويمسك المحجمة بيده اليمنى ويمص بفيه ، فقال يحيى : أما هكذا فنعم.
قال عبد الله : وكان يحيى بن أكثم أعور.
قال : ونا المعافى ، نا الحسين بن القاسم الكوكبي ، حدّثني أبو علي محرز بن أحمد الكاتب ، حدّثني محمّد بن مسلم السعدي قال : وجه إليّ يحيى بن أكثم يوما فصرت إليه ، فإذا عن يمينه قمطر (٤) مجلدة ، فجلست فقال : افتح هذه القمطر ففتحها ، فإذا شيء قد خرج
__________________
(١) من هنا إلى قوله : الفقيه .. سقط من م.
(٢) من طريقه رواه المزي في تهذيب الكمال ٢٠ / ٢٧.
(٣) الأصل وم : ارح ، وفي المختصر : «برج» والمثبت عن تهذيب الكمال.
(٤) القمطر : ما يصان فيه الكتب.