أكثم القاضي : أريد منك أن تسمّي لي ثقلاء أهل عسكري وحاشيتي ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، أعفني ، فإنّي لست أذكر أحدا منهم وهم لي على ما تعلم ، فكيف إن جرى مثل هذا؟ قال له : فإن كنت لا تفعل فاضطجع حتى أفتل لك مخراقا (١) [دبيقيا](٢) وأضربك به ، وأسمي مع كل ضربة رجلا ، فإن كان ثقيلا تأوّهت ، وإن يك غير ذلك سكتّ ، فأكون أنا على معرفة منهم ويقين من ثقلائهم ، فاضطجع له يحيى وقال : ما رأيت (٣) قاضي قضاة ، وأميرا ، ووزيرا يعمل به مثل ذا. فلفّ له مخراقا دبيقيا وضربه به ضربة وذكر رجلا ثقيلا ، فصاح يحيى ، أوه أوه يا أمير المؤمنين في المخراق آجرّة ، فضحك منه حتى كاد يغشى عليه ، وأعفاه من الباقين.
قال : ونا المعافى (٤) ، نا الحسين بن القاسم الكوكبي ، نا أبو يوسف يعقوب بن بيان (٥) الكاتب ، نا علي بن يحيى المنجم أن المأمون كان احتظى يحيى بن أكثم ورفع منزلته وخصّ به خاصة باطنة ، فداخل عليه يوما وهو يتغدى وعبد الوهّاب بن علي إلى جانب المأمون ، فسلّم ، فردّ عليهالسلام ثم قال : هلمّ يا أبا يا غلام وضّئه ، قال : فخرج يحيى والطويلة على رأسه ليتوضأ ، فقال المأمون : أوسع لأبي محمّد ، فأوسع له عبد الوهّاب بينه وبين المأمون ، فغسل يده ودخل فوضع طويلته عن غير إذنه ، فقال المأمون لعبد الوهّاب : عد إلى مكانك ، وأقعد يحيى بين يديه ، وكان ذلك بدء ما نقمه عليه.
أخبرنا أبو منصور بن زريق ، أنا ـ وأبو الحسن (٦) ، نا ـ الخطيب (٧) ، أخبرني الصيمري ، نا محمّد بن عمران المرزباني ، أخبرني أبو عبد الله الحكيمي ، عن أبي العيناء قال : سئل رجل من البلغاء عن يحيى بن أكثم ، وابن أبي دؤاد (٨) أيهما أنبل؟ قال : كان أحمد يجدّ مع جاريته وابنته ، ويحيى يهزل مع خصمه وعدوه.
__________________
(١) المخراق : ثوب يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضا.
(٢) سقطت من الأصل ، وأضيفت عن م والجليس الصالح.
(٣) كذا بالأصل وم ، وفي الجليس الصالح : أرأيت.
(٤) رواه المعافى بن زكريا في الجليس الصالح الكافي ٣ / ٦١.
(٥) كذا بالأصل وم : «بيان» وفي الجليس الصالح : «بنان» وهو ما أثبت.
(٦) تحرفت بالأصل إلى : الحسين ، والمثبت عن م.
(٧) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ١٩٨.
(٨) تحرفت بالأصل إلى : داود ، والمثبت عن تاريخ بغداد.