فعرفتهما فجلسنا إليه ، [فقلنا : جئناك لتخبرنا عن قتلك حمزة بن عبد المطلب حين قتلته ، كيف قتلته؟](١) فقال : أما إنّي سأحدثكما كما حدثت رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين سألني عن ذلك ، كنت غلاما لجبير بن مطعم وكان عمّه طعيمة بن عدي قد قتل يوم بدر ، فلمّا سارت قريش إلى أحد ، قال لي جبير : إن قتلت حمزة عم محمّد صلىاللهعليهوسلم ـ يعني ـ فأنت عتيق ، فخرجت مع الناس حين خرجوا إلى أحد ، وكنت رجلا حبشيا أقذف بالحربة قذف الحبشة ، قلّ ما أخطئ بها شيئا أريده ، فلمّا التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره حتى رأيته مثل الجمل الأورق في عرض الناس ، يهذ الناس بسيفه هذا ما يقوم له شيء (٢) فو الله إنّي لأريده واستترت منه بشجرة أو بحجر ليدنو مني ، وتقدمني إليه سباع ابن عبد العزّى ، فلما رآه حمزة قال : هلمّ إليّ يا ابن مقطّعة البظور ، وكانت أمّه ختانة بمكة (٣) ، وضربه فو الله لكأنما أخطأ رأسه ، فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه ، فوقعت في ثنّته (٤) حتى خرجت من بين رجليه ، وذهب لينوء (٥) نحوي ، فغلب ، فوقع وخلّيت بينه وبينها حتى مات ، ثم أتيته فأخذت حربتي ثم رجعت إلى العسكر ، فقعدت فيه ، ولم تكن لي بغيره حاجة ، إنّما قتلته لأعتق ، فلمّا قدمت مكة عتقت ، ثم أقمت بها حتى افتتح رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكة ، فهربت إلى الطائف ، فكنت بها ، فلمّا خرج وفد أهل الطائف إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليسلموا ، تعيّت عليّ المذاهب وضاقت عليّ الأرض ، وقلت : ألحق بالشام أو باليمن أو ببعض البلاد ، فو الله إني في ذلك من همّي إذ قال لي رجل : ويحك إنه والله ما يقتل أحدا من الناس دخل في دينه ، وتشهّد (٦) شهادته ، قال : فلمّا قال لي ذلك خرجت حتى قدمت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة ، فلم يرعه إلّا وأنا قائم على رأسه أشهد بشهادة الحقّ ، فلمّا رآني رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «وحشيّ؟» قلت : نعم يا رسول الله ، قال : «اقعد فحدّثني كيف قتلت حمزة» فحدثته كما حدثتكما ، فلما فرغت من حديثي قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «غيّب عني وجهك فلا أراك» فكنت أتنكب رسول الله صلىاللهعليهوسلم حيث كان فلم يرني حتى قبضه الله ، فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة الكذّاب صاحب اليمامة أخذت حربتي وخرجت معهم وهي الحربة التي قتلت بها حمزة ، فلما التقى الناس رأيت مسيلمة قائما في
__________________
(١) ما بين معكوفتين سقط من الأصل وم ، واستدرك للإيضاح عن «ز» ، وسيرة ابن هشام.
(٢) الأصل : شيئا ، والمثبت عن «ز» ، وم ، وابن هشام.
(٣) «وكانت ختانة بمكة» ، كما في أسد الغابة ، والجملة ليست في ابن هشام.
(٤) الثنة بضم الثاء ، العانة.
(٥) ينوء : ينهض متثاقلا.
(٦) الأصل وم و «ز» : وشهد ، والمثبت عن ابن هشام.