قتل حمزة (١) ، فلمّا التقى الناس أخذت حربتي ، وخرجت أنظر حمزة ، وهو في عرض الناس مثل الجمل الأورق (٢) يهذّ (٣) الناس بسيفه هذّا ، ودنا (٤) مني إلّا أنه تستر مني بأصل شجرة أو صخرة إذ بدر من الناس فلان (٥) ابن عبد العزّى ، فلمّا رآه حمزة قال : هلمّ يا ابن مقطّعة البظور ، فضربه فو الله لكأنما أخطأ رأسه (٦) ، وهززت حربتي ، حتى إذا رضيت منها ، دفعتها عليه ، فوقعت بين كتفيه ، حتى خرجت من بين ثدييه (٧) ، وتركته (٨) ، واستأخرت عنه حتى مات رحمهالله ، ثم قمت إليه ، ثم انتزعتها منه ، ثم أتيت العسكر فقعدت فيه ، فلم يكن لي حاجة بغيره ، وإنما قتلته لأعتق ، فلما قدمنا مكة عتقت وأقمت بها حتى (٩) فتحت مكة ، ثم هربت إلى الطائف ، فلما خرج وفد ثقيف إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم [ضاقت عليّ الأرض بما رحبت ، قلت : ألحق بالشام أو اليمن أو ببعض البلاد ، فو الله إني لفي ذلك مفكرا](١٠) إذ قال لي قائل : ويحك الحق بمحمّد صلىاللهعليهوسلم فو الله ما يقتل أحدا دخل في دينه ، وتشهّد (١١) بشهادته.
قال : فخرجت حتى قدمت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة ، فلم يرعه إلّا وأنا قائم على رأسه أشهد بشهادة الحقّ ، فلمّا رآني قال : «وحشيّ؟» قلت : نعم ، قال : «اجلس فحدّثني كيف كان قتلك حمزة» فجلست بين يديه فحدثته كما حدثتكم ، ثم قال : «ويحك يا وحشيّ غيّب عني وجهك فلا أراك» فكنت أتنكب رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى توفي ، فلما سار المسلمون (١٢) إلى مسيلمة خرجت معهم بحربتي (١٣) ، فلما التقى المسلمون وبني حنيفة (١٤) نظرت إلى
__________________
(١) زيد في «ز» : «حتى نزلنا بصفين» وفي م : «حتى نزلنا بعينين».
(٢) الجمل الأورق : الذي لونه بين الغبرة والسواد ، وصف بذلك لما عليه من الغبار.
(٣) هذّ بالسيف هذّا : قطعه ، والهذ : سرعة القطع. وفي سيرة ابن هشام : يهد الناس هدّا ، بالدال المهملة في اللفظتين (راجع اللسان ، وتاج العروس).
(٤) كذا بالأصل ، والعبارة في «ز» ، وم : ما يليق شيئا ، فو الله إني لأتهيأ له قد استترت بأصل شجرة.
(٥) كذا بالأصل : فلان ، وفي «ز» ، وم : سباع بن عبد العزى.
(٦) زيد في «ز» ، وم : ما رأيت شيئا أسرع من سقوط رأسه.
(٧) في «ز» ، وم : فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه.
(٨) العبارة في «ز» ، وم : فوقع الرجل ، فوثبت فقتلته حتى إذا مات قمت فأخذت حربتي ، ثم رجعت إلى المعسكر.
(٩) في «ز» ، وم : فلما فتح رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكة هربت.
(١٠) ما بين معكوفتين مكانه مطموس بالأصل ، واستدرك عن «ز» ، وم.
(١١) قوله : «وتشهد بشهادته» ليس في «ز» ، وم.
(١٢) في «ز» ، وم : حتى قبضه الله ، فلما خرج المسلمون.
(١٣) زيد في «ز» ، وم : التي قتلت بها حمزة.
(١٤) في «ز» ، وم : فلما التقى الناس ، نظرت.