وإن معاوية قال لجرير (١) : قد رأيت أن أكتب إلى صاحبك أن يجعل لي مصر والشام حياته (٢) ، فإن حضرته الوفاة لم يجعل لأحد من بعده في عنقي بيعة ، وأسلّم له هذا الأمر ، وأكتب إليه بالخلافة.
فقال جرير : اكتب ما شئت ، وأكتب معك (٣) إليه ، فكتب معاوية بذلك ، فلما أتى عليا كتابه عرف أنما هي خديعة منه.
وكتب علي إلى جرير :
أما بعد ، فإن معاوية إنما أراد بما طلب ألّا تكون في عنقه بيعة ، وأن يختار من أمره ما أحب ، وأراد أن يريثك حتى يذوق أهل الشام ، وقد كان المغيرة بن شعبة أشار عليّ وأنا بالمدينة أن استعمل معاوية على الشام فأبيت ذلك ، ولم يكن الله ليراني أن أتّخذ المضلين عضدا ، فإن بايعك (٤) وإلّا فأقبل.
وفشا كتاب معاوية في الناس ، فكتب إليه الوليد بن عقبة (٥) :
معاوي إنّ الشام شامك فاعتصم |
|
بشامك لا تدخل عليك الأفاعيا |
وحام عليها بالقبائل (٦) والقنا |
|
ولا تك محشوش (٧) الذراعين وانيا |
فإن عليا ناظر ما تجيبه |
|
فأهد له حربا تشيب النواصيا |
قال : ونا إبراهيم ، نا عبد الله بن عمر ، نا عمرو قال : سمعت الوليد البجلي قال : قال الوليد بن عقبة :
حين قدم جرير بن عبد الله على معاوية في بيعة عليّ فقال معاوية : يا جرير ، اكتب إلى علي أن يجعل لي الشام وأنا أبايع له ما دام حيا ، ولا أجعل لأحد من بعده في عنقي بيعة ، فقال له جرير : أكتب ، وأكتب ، فكتب بذلك معاوية إلى عليّ ، ففشا كتابه في العرب ، فبعث إليه الوليد بن عقبة بهذه الأبيات :
__________________
(١) وقعة صفين ص ٥٢.
(٢) في وقعة صفين : جباية.
(٣) بالأصل والنسخ : معه ، والمثبت عن وقعة صفين.
(٤) بالأصل والنسخ : تابعك ، والمثبت عن وقعة صفّين.
(٥) الأبيات في وقعة صفّين ص ٥٢ وسير الأعلام ٣ / ١٤٠ والبداية والنهاية ٨ / ١٣٧ ـ ١٣٨.
(٦) وقعة صفّين وطبقات : القنابل.
(٧) الأصل ود : «مخسوس» وفي «ز» ، وم : «محسوس» والمثبت عن وقعة صفّين.