آمننا ، ويريدون هراقة دمائنا ، وإخافة سبيلنا ، وقد يعلم الله أنّا لا نريد لهم عقابا ، ولا نهتك لهم حجابا ، غير أن الله الحميد كسانا من الكرامة ثوبا لن ننزعه طوعا ما جاوب الصدى ، وتسقط الندى ، وعرف الهدى ، حملهم على خلافنا البغي والحسد ، فالله نستعين عليهم ، أيها الناس ، قد علمتم أنّي خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب ، وأنّي خليفة أمير المؤمنين عثمان عليكم ، وأنّي لم أقم رجلا منكم على خزاية قط ، وأنّي ولي عثمان ، وابن عمه ، وقد قال الله في كتابه : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً)(١) وقد علمتم أنه قتل مظلوما ، وأنا أحبّ أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان.
فقال أهل الشام بأجمعهم : بل نطلب بدمه ، فأجابوه إلى ذلك ، وبايعوه ، ووثّقوا له أن يبذلوا في ذلك أنفسهم ، وأموالهم ، أو يدركوا بثأره ، أو يفني الله أرواحهم قبل ذلك.
ثم رجع إلى حديث الكلبي ، قال : وكان علي استشار الناس ، فأشاروا عليه بالقيام بالكوفة غير الأشتر وعدي بن حاتم ، وشريح بن هانئ الحارثي ، وهانئ بن عروة المرادي ، فإنهم قالوا لعلي : إنّ الذين أشاروا عليك بالمقام بالكوفة إنّما خوّفوك حرب الشام ، وليس في حربهم شيء أخوف من الموت ، وإيّاه نريد ، فدعا عليّ الأشتر وعديا وشريحا وهانئا فقال : إنّ استعدادي لحرب الشام ، وجرير بن عبد الله عند القوم صرف لهم عن غيّ إن أرادوه ، ولكنّي قد أرسلت رسولا ، فوقّت لرسولي وقتا لا يقيم بعده ، والرأي مع الأناة فاتّئدوا ولا أكره لكم الأعذار.
فأبطأ جرير على عليّ حتى آيس منه ، وإنّ جريرا (٢) لما أبطأ عليه معاوية بالبيعة لعلي كلّمه في ذلك وقال له : إنّ هذا أمر له ما بعده ، فدعا معاوية ثقاته ، فاستشارهم فقال له عتبة (٣) ـ وكان نظير معاوية ـ استعن (٤) في هذا الأمر بعمرو بن العاص ، فإنه من عرفت ، وقد اعتزل عثمان في حياته ، وهو لأمرك أشدّ اتباعا (٥) ، فكتب إليه معاوية ـ وعمرو بفلسطين ـ أما بعد ، فإنه قد كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك ، وقد سقط الشام مروان بن الحكم في رافضة أهل البصرة ، وقد قدم عليّ جرير بن عبد الله ببيعة علي ، فأقدم عليّ على بركة الله ، فإنّي قد حبست نفسي ولا غنى بنا عن رأيك.
__________________
(١) سورة الإسراء ، الآية : ٣٣.
(٢) الخبر في وقعة صفين ص ٣٣ وما بعدها.
(٣) بالأصل وبقية النسخ : «عقبة» وفي المختصر أيضا : «عقبة» والمثبت عن وقعة صفين ، وهو عتبة بن أبي سفيان.
(٤) وقعة صفين : اجتمعن.
(٥) كذا بالأصل والنسخ والمختصر ، وفي وقعة صفين : وهو لأمرك أشد اعتزالا إن ير فرصة.