علي : اكتب إلى معاوية فأقره على عمله ولا تحركه (١) ، وأطمعه فإنه سيطمع ، ويكفيك نفسه وناحيته ، فإذا بايع الناس لك أقررته أو عزلته ، قال : فإنه لا يرضى حتى أعطيه عهد الله وميثاقه أن لا أعزله ، فقالا : لا تعطه عهدا ولا ميثاقا ، وبلغ ذلك معاوية ، فقال : والله لا ألي له شيئا أبدا ، ولا أبايعه ولا أقدم عليه ، وأظهر بالشام أن الزبير بن العوّام قادم عليهم وأنه يبايع له ، فلما بلغه خروج الزبير وطلحة إلى الجمل أمسك عن ذكره ، فلمّا بلغه قتل الزبير قال : يرحم الله أبا عبد الله أما إنه لو قدم علينا لبايعنا له ، وكان أهلا أن نقدّمه لها.
فلمّا انصرف عليّ من البصرة أرسل جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية ، فكلّمه وعظّم عليه أمر علي وسابقته (٢) في الإسلام ، ومكانه من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، واجتماع الناس عليه ، وأراده على الدخول في طاعته والبيعة له ، فأبى وجرى بينه وبين جرير كلام كثير (٣) ، فانصرف جرير إلى علي بن أبي طالب ، فأخبره بذلك ، فذلك حين أجمع علي على الخروج إلى صفّين ، وبعث معاوية أبا مسلم الخولاني إلى علي بأشياء يطلبها منه ويسأله أن يدفع إليه قتلة عثمان حتى يقتلهم به ، فإنه إن لم يفعل ذلك أنهج للقوم ـ يعني أهل الشام ـ بصائرهم لقتاله ، فأبى عليّ أن يفعل ، فرجع أبو مسلم إلى معاوية فأخبره بما رأى من علي وأصحابه.
وجرت بين علي ومعاوية كتب ورسائل كثيرة ، ثم أجمع علي على الخروج من الكوفة يريد معاوية بالشام ، وبلغ ذلك معاوية ، فخرج في أهل الشام يريد عليا ، فالتقوا بصفّين لسبع ليال بقين من المحرم سنة سبع وثلاثين (٤).
فلما كان هلال صفر نشبت (٥) الحرب بينهم ، فاقتتلوا أيام صفين قتالا شديدا حتى هرّ الناس القتال وكرهوا الحرب ، فرفع أهل الشام المصاحف ، وقالوا : ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فيه ، وكان ذلك مكيدة من عمرو بن العاص ، فاصطلحوا ، وكتبوا بينهم كتابا على أن يوافوا رأس الحول أذرح (٦) ويحكّموا حكمين ينظران في أمور الناس فيرضون بحكمهما ،
__________________
(١) غير واضحة بالأصل والمثبت عن د ، «ز» ، وم.
(٢) في تاريخ الإسلام : ومبايعته.
(٣) ذكر الذهبي في تاريخ الإسلام : أن معاوية طلب إلى جرير أن يكتب إلى علي : أن يجعل الشام لمعاوية فيبايعه.
(٤) انظر تفاصيل واسعة عن الوقعة في تاريخ الطبري ٥ / ٦ وما بعدها والكامل في التاريخ (حوادث سنة ٣٧) والبداية والنهاية ٧ / ٢٨١ وما بعدها والفتوح لابن الأعثم ٢ / ٣٧٩ وما بعدها.
(٥) كذا بالأصل وبقية النسخ ، وفي تاريخ الإسلام : شبت.
(٦) أذرح بلد في أطراف الشام من أعمال الشراة (انظر معجم البلدان).