فحكّم عليّ أبا موسى الأشعري ، وحكّم معاوية عمرو بن العاص ، وتفرّق الناس ، فرجع علي إلى الكوفة بالاختلاف والدغل ، واختلف عليه أصحابه ، فخرج عليه الخوارج من أصحابه ، ومن كان معه ، وأنكروا تحكيمه ، وقالوا : لا حكم إلّا لله ، ورجع معاوية إلى الشام بالألفة واجتماع الكلمة عليه.
ووافى الحكمان بعد الحول بأذرح في شعبان سنة ثمان (١) وثلاثين واجتمع الناس إليهما ، وكان بينهما كلام اجتمعا عليه في السّرّ (٢) ، ثم خالفه عمرو بن العاص في العلانية ، فقدّم أبا موسى فتكلّم وخلع عليا ومعاوية ، ثم تكلم عمرو بن العاص فخلع عليا وأقرّ معاوية ، فتفرّق الحكمان ومن كان اجتمع إليهما ، وبايع أهل الشام معاوية بالخلافة في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين ، وبعث معاوية على الحج سنة تسع وثلاثين يزيد بن شجرة ، وبعث عليّ بن أبي طالب في هذه السنة على الموسم عبيد الله بن العباس فاجتمعا بمكة ، فسأل كلّ واحد منهما صاحبه أن يسلّم إليه ، فأتيا جميعا واصطلحا على أن يصلّي بالناس ويحج بهم تلك السنة شيبة ابن عثمان العبدري ، فحجّ بالناس تلك السنة ، وكان معاوية يبعث الغارات فيقتلون من كان في طاعة عليّ ، ومن أعان على قتل عثمان ، فبعث بسر (٣) بن أرطأة العامري إلى المدينة ومكة واليمن يستعرض الناس ، فقتل باليمن عبد الرّحمن وقثما (٤) ابني عبيد الله بن عباس ، ثم قتل علي بن أبي طالب في شهر رمضان سنة أربعين ، فحجّ بالناس تلك السنة المغيرة بن شعبة بكتاب افتعله من معاوية بن أبي سفيان.
وصالح الحسن بن علي معاوية بن أبي سفيان ، وسلّم له الأمر ، وبايعه الناس جميعا ، فسمّي عام الجماعة.
واستعمل معاوية المغيرة بن شعبة تلك السنة على الكوفة على صلاتها وحربها ، واستعمل على الخراج عبد الله بن درّاج مولاه ، واستعمل على البصرة عبد الله بن عامر بن كريز ، واستعمل على المدينة أخاه عتبة بن أبي سفيان ، ثم عزله ، واستعمل مروان بن الحكم سنة اثنتين وأربعين ، واستعمل عمرو بن العاص على مصر ، وأقرّ فضالة بن عبيد على قضائه
__________________
(١) الأصل ود : ثماني.
(٢) راجع تاريخ الطبري ٥ / ٥٢ والأخبار الطوال ص ١٩٣ وتاريخ الإسلام (الخلفاء الراشدون) ص ٥٤٨.
(٣) بالأصل ود ، وم : «بشر» وفي «ز» : الزبير ، تصحيف.
(٤) كذا بالأصل وبقية النسخ : وقئما.