الفضل ، أنبأنا عبد الله بن جعفر ، حدّثنا يعقوب (١) قال : وقال أبو صالح عبد الله بن صالح : وسمعت الليث بن سعد يقول : ما رأيت عالما قط أجمع من ابن شهاب ، ولا أكثر علما منه ، ولو سمعت ابن شهاب بحديث (٢) في الترغيب قلت : لا يحسن إلّا هذا ، فإن حدّث عن الأنبياء وأهل الكتاب قلت : لا يحسن إلّا هذا ، وإن حدّث عن العرب والأنساب قلت : لا يحسن إلّا هذا ، قال : وإن حدّث عن القرآن والسّنّة كان حديثه ، ثم يتلوه بدعاء جامع يقول (٣) : اللهمّ إنّي أسألك من كلّ خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة ، وأعوذ [بك](٤) من كلّ شرّ أحاط به علمك في الدنيا والآخرة.
قال الليث : وكان ابن شهاب من أسخى من رأيت ، كان يعطي كل من جاء وسأله حتى إذا لم يبق (٥) معه شيء يستسلف من عبيده فيقول لأحدهم : يا فلان أسلفني كما تعرف ، وأضعف لك كما تعلم ، فيسلفونه ولا يرى بذلك بأسا.
قال : وربما جاءه السائل فلا يجد ما يعطيه فيتغير عند ذلك وجهه ، ويقول للسائل : أبشر ، فسوف يأتي الله بخير ، قال : فقيّض (٦) الله لابن شهاب على قدر صبره واحتماله. إما رجلا يهدي له ما يسمعهم وإما رجلا يبيعه فينظره (٧). قال : وكان يطعم الناس بالثريد في الخصب وغيره ويسقيهم العسل ، وكان ابن شهاب يسهر على العسل كما يسهر أصحاب الشراب على شرابهم ويقول : اسقونا وحدثونا ، فإذا رأى بعض أصحابه قد نعس يقول له : ما أنت من سمار ريش الذين قال الله تبارك وتعالى : (سامِراً تَهْجُرُونَ)(٨) [قال :] وكانت له [قبة](٩) معصفرة وعليه ملحفة معصفرة وتحته محبس (١٠) معصفرة قال : وسمعته يبكي على العلم بلسانه ، ويقول : يذهب العلم وكثير ممن كان يعمل به ، فقلت له : لو وضعت من علمك عند من ترجو أن يكون خلفا في الناس بعدك؟ قال : والله ما نشر أحد العلم نشري ،
__________________
(١) رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ ١ / ٦٢٣.
(٢) في المعرفة والتاريخ : يحدث.
(٣) الدعاء في سير أعلام النبلاء ٥ / ٣٣٥ وتاريخ الإسلام (ترجمته) ص ٢٤٤.
(٤) سقطت من الأصل ، واستدركت عن «ز» ، والمصادر.
(٥) بالأصل : «يبن» والمثبت عن «ز» ، والمعرفة والتاريخ.
(٦) في المعرفة والتاريخ : فقضى.
(٧) بالأصل : بنظره ، وفي «ز» : ينظره ، والمثبت عن المعرفة والتاريخ.
(٨) سورة المؤمنون ، الآية : ٦٧.
(٩) زيادة عن «ز» ، والمعرفة والتاريخ.
(١٠) المعرفة والتاريخ : «محبس معصفر». والمحبس : ثوب يطرح على ظهر الفراش للنوم عليه.