ثم أخبر تعالى أن تلك الأمة قد مضت لسبيلها ، وأنها رهينة بما كسبت ، كما أنكم مرهونون بأعمالكم ، وأنكم لا تسألون عنهم. ثم ذكر تعالى ما هم عليه من دعوى الباطل. والدعاء إليه ، وزعمهم أن الهداية في اتباع اليهودية والنصرانية. ثم أضرب عن كلامهم ، وأخذ في اتباع ملة إبراهيم الحنيفية المباينة لليهودية والنصرانية والوثنية. ثم أمرهم بأن يفصحوا بأنهم آمنوا بما أنزل إليهم وإلى إبراهيم ومن ذكر معه ، فإن الإيمان بذلك هو الدين الحنيف ، وأنهم منقادون لله اعتقادا وأفعالا. ثم أخبر أن اليهود والنصارى ، إن وافقوكم على ذلك الإيمان ، فقد حصلت الهداية لهم ، ورتب الهداية على ذلك الإيمان ، فنبه بذلك على فساد ترتيب الهداية على اليهودية والنصرانية في قوله : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا).
ثم أخبر تعالى أنهم إن تولوا فهم الأعداء المشاقون لك ، وأنك لا تبالي بشقاقهم ، لأن الله تعالى هو كافيك أمرهم ، ومن كان الله كافيه فهو الغالب ، ففي ذلك إشارة إلى ظهوره عليهم. ثم ذكر أن صبغة الملة الحنيفية هي صبغة الله ، وإذا كانت صبغة الله ، فلا صبغة أحسن منها ، وأن تأثير هذه الصبغة هو ظهورها عليهم بعبادة الله ، تعالى ، فقال : (وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ). ثم استفهمهم أيضا على طريق التوبيخ والتقريع عن مجادلتهم في الله ولا يحسن النزاع فيه ، لأن الله هو ربنا كلنا ، فالذي يقتضيه العقل أنه لا يجادل فيه. ثم ذكر أنه رب الجميع ، وأشار إلى أنه يجازى الجميع بقوله : (وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ). ثم ذكر ما انفردوا به من الإخلاص له ، لأن اليهود والنصارى غير مخلصين له في العبادة. ثم استفهمهم أيضا على جهة التوبيخ والتقريع ، عن مقالتهم في إبراهيم ومن ذكر معه ، من أنهم كانوا يهودا ونصارى ، وأن دأبهم المجادلة بغير حق ، فتارة في الله وتارة في أنبياء الله. ثم بين أنهم لا علم عندهم بل الله هو أعلم به. ثم بين أن تلك المقالة لم تكن عن دليل ولا شبهة ، بل مجرد عناد ، وأنهم كاتمون للحق ، دافعون له ، فقال ما معناه : لا أحد أظلم من كاتم شهادة استودعه الله إياها ، والمعنى : لا أحد أظلم منكم في المجادلة في الله ، وفي نسبة اليهودية والنصرانية لإبراهيم ومن ذكر معه ، إذ عندهم الشهادة من الله بأحوالهم. ثم هدّدهم بأن الله تعالى لا يغفل عما يعملون.
ثم ختم ذلك بأن تلك أمّة قد خلت منفردة بعملها ، كما أنتم كذلك ، وأنكم غير مسؤولين عما عملوه ، وجاءت هذه الجمل من ابتداء ذكر إبراهيم إلى انتهاء الكلام فيه ، على اختلاف معانيه وتعدّد مبانيه ، كأنها جملة واحدة ، في حسن مساقها ونظم اتساقها ،