فلما تبين أصواتنا |
|
بكين وفدّيننا بالأبينا |
وعلى هذا الوجه يكون إعراب إبراهيم مثل إعرابه حين كان جمع تكسير. وفي إجابتهم له بإظهار الفعل تأكيد لما أجابوه به ، إذ كان يجوز أن يقال : قالوا إلهك ، فتصريحهم بالفعل تأكيد في الجواب أنه مطابق للسؤال ، أعني في العامل الملفوظ به في السؤال. وإضافة الإله إلى يعقوب فيه دليل على اتحاد معبود السائل والمجيب لفظا. وفي قوله : وإله آبائك دليل على اتحاد المعبود أيضا من حيث اللفظ ، وإنما كرر لفظ وإله ، لأنه لا يصح العطف على الضمير المجرور إلا بإعادة جارّه ، إلا في الشعر ، أو على مذهب من يرى ذلك ، وهو عنده قليل. فلو كان المعطوف عليه ظاهرا ، لكان حذف الجار ، إذا كان اسما ، أولى من إثباته ، لما يوهم إثباته من المغايرة. فإن حذفه يدل على الاتحاد. وبدأ أولا بإضافة الإله إلى يعقوب ، لأنه هو السائل ، وقدم إبراهيم ، لأنه الأصل ، وقدم إسماعيل على إسحاق ، لأنه أسنّ أو أفضل ، لكون رسول الله صلىاللهعليهوسلم من ذريته ، وهو في عمود نسبه. واقتصر على هؤلاء ، لأنهم كانوا خير الناس في أزمانهم ، ولم يعم ، لأن الناس كان لهم معبودون كثيرون دون الله.
(إِلهاً واحِداً) : يجوز أن يكون بدلا ، وهو بدل نكرة موصوفة من معرفة ، ويجوز أن يكون حالا ، ويكون حالا موطئة نحو : رأيتك رجلا صالحا. فالمقصود إنما هو الوصف ، وجيء باسم الذات توطئة للوصف. وجوّز الزمخشري أن ينتصب على الاختصاص ، أي يريد بإلهك إلها واحدا. وقد نص النحويون على أن المنصوب على الاختصاص لا يكون نكرة ولا مبهما. وفائدة هذه الحال ، أو البدل ، هو التنصيص على أن معبودهم واحد فرد ، إذ قد توهم إضافة الشيء إلى كثيرين تعداد ذلك المضاف ، فنهض بهذه الحال أو البدل على نفي ذلك الإيهام. (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) : أي منقادون لما ذكر الجواب بالفعل الذي هو نعبد ، لأن العبادة متجددة دائما. ذكر هذه الجملة الاسمية المخبر عن المبتدأ فيها باسم الفاعل الدال على الثبوت ، لأن الانقياد لا ينفكون عنه دائما ، وعنه تكون العبادة ، فيكون قوله : (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) أحد جملتي الجواب. فأجابوه بشيئين : أحدهما : الذي سأل عنه ، والثاني : مؤكد لما أجابوا به ، فيكون من باب الجواب المربي على السؤال. وأجاز بعضهم أن تكون الجملة حالية من الضمير في نعبد ، والأول أبلغ ، وهو أن تكون الجملة معطوفة على قوله : (نَعْبُدُ) ، فيكون أحد شقي الجواب. وأجاز الزمخشري أن تكون جملة اعتراضية مؤكدة ، أي : ومن حالنا أنا نحن له مسلمون مخلصون التوحيد أو مذعنون.