الرازي ، في (كتاب المحصول) له ما ملخصه : قالت الشيعة ، لا يجوز أن يقع منهم ذنب ، لا صغير ولا كبير ، لا عمدا ولا سهوا ، ولا من جهة التأويل. ثم ذكر الاتفاق على أنه لا يجوز منهم الكفر ، ولا التبديل في التبليغ ، ولا الخطأ في الفتوى. وذكر خلافا في أشياء ، ثم قال الذي يقول به إنه لا يقع منهم ذنب على سبيل القصد ، لا كبير ولا صغير ، وأما سهوا فقد يقع ، لكن بشرط أن يتذكروه في الحال وينبهوا غيرهم على أن ذلك كان سهوا.
(إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) : يجوز في أنت : الفصل والتأكيد والابتداء ، وهاتان الصفتان مناسبتان لأنهما دعوا بأن يجعلهما مسلمين ومن ذريتهما أمة مسلمة ، وبأن يريهما مناسكهما ، وبأن يتوب عليهما. فناسب ذكر التوبة عليهما ، أو الرحمة لهما. وناسب تقديم ذكر التوبة على الرحمة ، لمجاورة الدعاء الأخير في قوله : (وَتُبْ عَلَيْنا). وتأخرت صفة الرحمة لعمومها ، لأن من الرحمة التوبة ، ولكنها فاصلة. والتواب لا يناسب أن تكون فاصلة هنا ، لأن قبلها (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ، وبعدها : (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) : لما دعا ربه بالأمن لمكة ، وبالرزق لأهلها ، وبأن يجعل من ذريته أمّة مسلمة ، ختم الدعاء لهم بما فيه سعادتهم دنيا وآخرة ، وهو بعثة محمد صلىاللهعليهوسلم فيهم ، فشمل دعاؤه لهم الأمن والخصب والهداية. وقد تقدم معنى البعث في قوله : (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ) ، والمراد هنا : الإرسال إليهم. والضمير في فيهم يحتمل أن يعود على الذرية ، ويحتمل أن يعود على أمّة مسلمة ، ويحتمل أن يعود على أهل مكة ، ويؤيده قوله : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ) ، ولا خلاف أنه رسول الله محمد صلىاللهعليهوسلم ، وصح عنه أنه قال : «أنا دعوة أبي إبراهيم». ولم يبعث الله إلى مكة وما حولها إلا هو صلىاللهعليهوسلم. وقرأ أبيّ : وابعث فيهم في آخرهم ، قال ابن عباس : كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة : نوح ، وهود ، وصالح ، وشعيب ، ولوط ، وإبراهيم ، وإسماعيل ، وإسحاق ، ومحمد صلى الله عليهم وسلم. ومنهم في موضع الصفة لرسولا ، أي كائنا منهم لا من غيرهم ، فهم يعرفون وجهه ونسبه ونشأته ، كما قال : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ، ودعا بأن يبعث الرسول فيهم منهم ، لأنه يكون أشفق على قومه ، ويكونون هم أعز به وأشرف وأقرب للإجابة ، لأنهم يعرفون منشأه وصدقه وأمانته. قال الربيع : لما دعا إبراهيم قيل له : قد استجيب لك ، وهو في آخر الزمان.