واختلف في حقيقة السحر على أقوال : الأول : أنه قلب الأعيان واختراعها وتغيير صور الناس مما يشبه المعجزات والكرامات ، كالطيران وقطع المسافات في ليلة. الثاني : أنه خدع ومخاريق وتمويهات وشعوذة لا حقيقة لها ، ويدل عليه ، (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) (١). وفي الحديث ، حين سحر لبيد بن الأعصم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله». وهو قول المعتزلة : يرون أن السحر ليست له حقيقة ، ووافقهم أبو إسحاق الأستراباذي من الشافعية. الثالث : أنه أمر يأخذ بالعين على جهة الحيلة ، ومنه : (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ) (٢) ، كما روي أن حبالهم وعصيهم كانت مملوءة زئبقا ، فسجروا تحتها نارا ، فحميت الحبال والعصي ، فتحركت وسعت. ولأرباب الحيل والدك والشعوذة من هذا أشياء ، يبين كثير منها في الكتاب المسمى (بكشف الدّك والشعوذة وإيضاح الشك) ، وفي كتاب (إرخاء الستور والكلل في الشعوذة والحيل). وفي الحديث ، حين انشق القمر نصفين بمكة ، قال أبو جهل : اصبروا حتى يأتي أهل البوادي ، فإن لم يخبروا بذلك ، كان محمد قد سحر أعيننا ، فأتوا فأخبروا بذلك ، فقال : ما هذا إلا سحر عظيم. الرابع : أنه نوع من خدمة الجن ، وهم الذين استخرجوه من جنس لطيف أجسامهم وهيآتها ، فلطف ودق وخفي. الخامس : أنه مركب من أجسام تجمع وتحرق ، وتتخذ منها أرمدة ومداد ، ويتلى عليها أسماء وعزائم ، ثم تستعمل فيما يحتاج إليها من السحر. السادس : أن أصله طلسمات وقلفطريات ، تبنى على تأثير خصائص الكواكب ، كتأثير الشمس في زئبق عصى فرعون ، أو استخدام الشياطين لتسهيل ما عسر. السابع : أنه مركب من كلمات ممزوجة بكفر. قال بعض معاصرينا : هذه الأقوال كلها التي قالوها في حقيقة السحر أنواع من أنواع السحر ، وقد ضم إليها أنواع أخر من الشعبذة والدّك والنارنجيات والأوفاق والعزائم وضروب المنادل والصرع ، وما يجري مجرى ذلك. انتهى كلامه. ولا يشك في أن السحر كان موجودا ، لنطق القرآن والحديث الصحيح به. وأما في زماننا الآن ، فكلما وقفنا عليه في الكتب ، فهو كذب وافتراء ، لا يترتب عليه شيء ، ولا يصح منه شيء البتة. وكذلك العزائم وضرب المندل ، والناس الذين يعتقد فيهم أنهم عقلاء ، يصدّقون بهذه الأشياء ، ويصغون إلى سماعها. وقد رأيت بعض من ينتمي إلى العلم ، إذا أفلس ، وضع كتبا وذكر فيها أشياء من رأسه ، وباعها في الأسواق بالدراهم الجيدة. وقد أطلق اسم السحر بعض العلماء على الوشي بين الناس بالنميمة ، لأن فيه قلب الصديق
__________________
(١) سورة طه : ٢٠ / ٦٦.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ١١٦.