المراد اليد حقيقة هنا ، والذي قدّمته أيديهم هو تغيير صفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان ذلك بكتابة أيديهم.
(وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) : هذه جملة خبرية ، ومعناها : التهديد والوعيد ، وعلم الله متعلق بالظالم وغير الظالم. فالاقتصار على ذكر الظالم يدل على حصول الوعيد. وقيل : معناه مجازيهم على ظلمهم ، فكنى بالعلم عن الجزاء ، وعلق العلم بالوصف ليدل على العلية ، والألف واللام في الظالمين للعهد ، فتختص باليهود الذين تقدّم ذكرهم ، أو للجنس ، فتعم كل ظالم. وإنما ذكر الظالمين ، لأن الظلم هو تجاوز ما حدّ الله ، ولا شيء أبلغ في التعدّي من ادعاء خلوص الجنة لمن لم يتلبس بشيء من مقتضياتها ، وانفراده بذلك دون الناس.
(وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ) : الخطاب هنا للنبي صلىاللهعليهوسلم. ووجد هنا متعدّية إلى مفعولين : أحدهما الضمير ، والثاني أحرص الناس. وإذا تعدّت إلى مفعولين كانت بمعنى علم المتعدّية إلى اثنين ، كقوله تعالى : (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) (١). وكونها هنا تعدّت إلى مفعولين ، هو قول من وقفنا على كلامه من المفسرين. ويحتمل أن يكون وجد هنا بمعنى لقي وأصاب ، ويكون انتصاب أحرص على الحال ، لكن لا يتم هذا إلا على مذهب من يرى أن إضافة أفعل التفضيل ليست بمحضة ، وهو قول الفارسي. وقد ذهب إلى ذلك من أصحابنا الأستاذ أبو الحسن بن عصفور. أما من قال بأنها محضة ، ولا يجيز في الحال أن تأتي معرفة ، فلا يجوز عنده في أحرص النصب على الحال. وأحرص هنا هي أفعل التفضيل ، وهي مؤولة. بمعنى من ، وقد أضيف إلى معرفة ، فيجوز فيها الوجهان : أحدهما : أن يفرد مذكره ، وإن كانت جارية على مفرد ومثنى ومجموع ، ومذكر ومؤنث. والثاني : أن يطابق ما قبلها. فمن الوجه الأول أحرص الناس ولو جاء على المطابقة ، لكان أحارص الناس ، أو أحرصي الناس. ومن الوجه الثاني قوله : أكابر مجرميها ، كلا الوجهين فصيح. وذكر أبو منصور الجواليقي أن المطابقة أفصح من الإفراد. وذهب ابن السراج إلى تعين الإفراد ، وليس بصحيح. وإذا أضيفت إلى معرفة ، كهذين الموضعين ، فشرط ذلك أن يكون بعض ما يضاف إليه ، ولذلك منع البصريون يوسف أحسن إخوته ، على أن يكون أحسن أفعل التفضيل ، وتأولوا ما ورد مما يشبهه ، وشذ نحو قوله :
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٠٢.