والتشديد كل منهما للتعدية. وقد ذكروا مناسبات لقراءات القراء واختياراتهم ولا تصح. (مِنْ فَضْلِهِ) : من لابتداء الغاية ، والفضل هنا الوحي والنبوة. وقد جوّز بعضهم أن تكون من زائدة على مذهب الأخفش ، فيكون في موضع المفعول ، أي أن ينزل الله فضله. (عَلى مَنْ يَشاءُ). على متعلقة بينزل ، والمراد بمن يشاء : محمد صلىاللهعليهوسلم ، لأنهم حسدوه لما لم يكن منهم ، وكان من العرب ، وعز النبوة من يعقوب إلى عيسى عليهم الصلاة والسلام كان في إسحاق ، فختم في عيسى ، ولم يكن من ولد إسماعيل نبي غير نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم ، فختمت النبوة على غيرهم ، وعدموا العز والفضل. و (مِنْ) هنا موصولة ، وقيل نكرة موصوفة. و (يَشاءُ) على القول الأول : صلة ، فلا موضع لها من الإعراب ، وصفة على القول الثاني ، فهي في موضع خفض ، والضمير العائد على الموصول أو الموصوف محذوف تقديره يشاؤه. (مِنْ عِبادِهِ) : جار ومجرور في موضع الحال ، تقديره كائنا من عباده ، وأضاف العباد إليه تشريفا لهم ، كقوله تعالى : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) (١) ، (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) (٢).
(فَباؤُ) : أي مضوا ، وتقدم معنى باؤوا. (بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ) : أي مترادف متكاثر ، ويدل ذلك على تشديد الحال عليهم. وقيل : المراد بذلك : غضبان معللان بقصتين : الغضب الأول : لعبادة العجل ، والثاني : لكفرهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، قاله ابن عباس. أو الأول : كفرهم بالإنجيل ، والثاني : كفرهم بالقرآن ، قاله قتادة. أو الأول : كفرهم بعيسى ، والثاني : كفرهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، قاله الحسن وغيره ، أو الأول : قولهم عزير ابن الله ، وقولهم يد الله مغلولة ، وغير ذلك من أنواع كفرهم ، والثاني : كفرهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم. (وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ) : الألف واللام في الكافرين للعهد ، وأقام المظهر مقام المضمر إشعارا بعلة كون العذاب المهين لهم ، إذ لو أتى ، ولهم عذاب مهين ، لم يكن في ذلك تنبيه على العلة ، أو تكون الألف واللام للعموم ، فيندرجون في الكافرين. ووصف العذاب بالإهانة ، وهي الإذلال ، قال تعالى : (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٣). وجاء في الصحيح ، في حديث عبادة ، وقد ذكر أشياء محرّمة فقال : «فمن أصاب شيئا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له». فهذا العذاب إنما هو لتكفير السيئات ، أو لأنه يقتضي الخلود خلودا لا ينقطع ، أو لشدته وعظمته واختلاف أنواعه ، أو لأنه جزاء على تكبرهم عن اتباع
__________________
(١) سورة الزمر : ٣٩ / ٧.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢٣.
(٣) سورة النور : ٢٤ / ٢.