الخضوع حاصلا ، لأن المقصود من التوبة إما بالقلب فبالندم وإما باللسان فبذكر لفظ يدل على حصول الندم في القلب ، وذلك لا يتوقف على ذكر لفظة بعينها.
يغفر ، نافع : بالياء مضمومة ، ابن عامر : بالتاء ، أبو بكر من طريق الجعفي : يغفر ، الباقون : نغفر. فمن قرأ بالياء مضمومة فلأن الخطايا مؤنث ، ومن قرأ بالياء مفتوحة فالضمير عائد على الله تعالى ويكون من باب الالتفات ، لأن صدر الآية (وَإِذْ قُلْنَا) ثم قال : يغفر ، فانتقل من ضمير متكلم معظم نفسه إلى ضمير الغائب المفرد ، ويحتمل أن يكون الضمير عائدا على القول الدال عليه وقولوا ، أي نغفر القول ونسب الغفران إليه مجازا لما كان سببا للغفران ، ومن قرأ بالنون ، وهي قراءة باقي السبعة ، فهو الجاري على نظام ما قبله من قوله : (وَإِذْ قُلْنَا) ، وما بعده من قوله : (وَسَنَزِيدُ) ، فالكلام به في أسلوب واحد ، ولم يقرأ أحد من السبعة إلا بلفظ (خَطاياكُمْ) ، وأمالها الكسائي. وقرأت طائفة : تغفر بفتح التاء ، قيل : كأن الحطة تكون سبب الغفران ، يعني قائل هذا وهو ابن عطية ، فيكون الضمير للحطة وهذا ليس بجيد ، لأن نفس اللفظة بمجردها لا تكون سببا للغفران. وقد بينا ذلك قبل ، فالضمير عائد على المقالة المفهومة من : (وَقُولُوا) ، ونسب الغفران إليها على طريق المجاز ، إذ كانت سببا للغفران. وقرأ الجحدري وقتادة : تغفر بضم التاء وإفراد الخطيئة. وروي عن قتادة : يغفر بالياء مضمومة. وقرأ الأعمش : يغفر بالياء مفتوحة وإفراد الخطيئة. وقرأ الحسن : يغفر بالياء مفتوحة والجمع المسلم. وقرأ أبو حيوة : تغفر بالتاء مضمومة وبالجمع المسلم. وحكى الأهوازي أنه قرأ : خطاياكم بهمز الألف وسكون الألف الأخيرة. وحكى عنه أيضا العكس. وتوجيه هذا الهمز أنه استثقل النطق بألفين مع أن الحاجز حرف مفتوح والفتحة تنشأ عنها الألف ، فكأنه اجتمع ثلاث ألفات ، فهمز إحدى الألفين ليزول هذا الاستثقال ، وإذ كانوا قد همزوا الألف المفردة بعد فتحه في قوله :
وخندف هامة هذا العألم
فلأن يهمزوا هذا أولى ، وهذا توجيه شذوذ. ومن قرأ بضم الياء أو التاء كان : خطاياكم ، أو خطياتكم ، أو خطيتكم مفعولا لم يسم فاعله ، ومن قرأ بفتح التاء أو الياء أو بالنون ، كان ذلك مفعولا ، وجزم هذا الفعل لأنه جواب الأمر. وقد تقدم الكلام في نظيره في قوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) (١) ، وذكرنا الخلاف في ذلك. وهنا تقدمت
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٤٠.