أبناء باعتبار ما كانوا قبل ، والأول أشهر. والنساء هنا : البنات ، وسموا نساء باعتبار ما يؤلن إليه ، أو بالاسم الذي في وقته يستخدمن ويمتهن ، وقيل : أراد : النساء الكبار ، والأول أشهر.
(وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) : وفسر الاستحياء بالوجهين اللذين ذكرناهما عند كلامنا على المفردات ، وهو أن يكون المعنى : يتركون بناتكم أحياء للخدمة ، أو يفتشون أرحام نسائكم. فعلى هذا القول ظاهره أن آل فرعون هم المباشرون لذلك ، ذكر أنه وكل بكل عشر نساء رجلا يحفظ من تحمل منهن. وقيل : وكل بذلك القوابل. وقد قيل : إن الاستحياء هنا من الحياء الذي هو ضد القحة ، ومعناه أنهم يأتون النساء من الأعمال بما يلحقهم منه الحياء ، وقدم الذبح على الاستحياء لأنه أصعب الأمور وأشقها ، وهو أن يذبح ولد الرجل والمرأة اللذين كانا يرجوان النسل منه ، والذبح أشق الآلام. واستحياء النساء على القول الأول ليس بعذاب ، لكنه يقع العذاب بسببه من جهة إبقائهن خدما وإذاقتهن حسرة ذبح الأبناء ، إن أريد بالنساء الكبار ، أو ذبح الإخوة ، إن أريد الأطفال ، وتعلق العار بهن ، إذ يبقين نساء بلا رجال فيصرن مفترشات لأعدائهن. وقد استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن الآمر بالقتل بغير حق والمباشر له شريكان في القصاص ، فإن الله تعالى أغرق فرعون ، وهو الآمر ، وآله وهم المباشرون. وهذه مسألة يبحث فيها في علم الفقه ، وفيها خلاف بين أهل العلم.
(وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ) : هو إشارة إلى ذبح الأبناء واستحياء النساء ، وهو المصدر الدال عليه الفعل نحو قوله تعالى : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ) (١) ، وهو أقرب مذكور ، فيكون المراد بالبلاء : الشدة والمكروه. وقيل : يعود إلى معنى الجملة من قوله يسومونكم مع ما بعده ، فيكون معنى البلاء كما تقدم. وقيل : يعود على التنجية ، وهو المصدر المفهوم من قوله : نجيناكم ، فيكون البلاء هنا : النعمة ويكون ذلكم قد أشير به إلى أبعد مذكور ، وهو أضعف من القول الذي قبله ، والمتبادر إلى الذهن والأقرب في الذكر هو القول الأول.
وفي قوله : (مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) دليل على أن الخير والشرّ من الله تعالى ، بمعنى أنه خالقهما. وفيه رد على النصارى ومن قال بقولهم : إن الخير من الله والشرّ من الشيطان ووصفه بعظيم ظاهر ، لأنه إن كان ذلكم إشارة إلى التنجية من آل فرعون ، فلا يخفى ما في ذلك
__________________
(١) سورة الشورى : ٤٢ / ٤٣.