تبت وأصلحت أراجعي إلى الجنة؟ قال : «نعم». وزاد قتادة في هذا : «وسبقت رحمتك إليّ قبل غضبك؟ قيل له بلى ، قال : رب هل كتبت هذا عليّ قبل أن تخلقني؟ قيل له : نعم ، فقال : رب إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة؟ قيل له : «نعم». وقال قتادة هي : «أستغفرك وأتوب إليك إنك أنت التوّاب الرحيم». وقال عبيد بن عمير ، قال : «يا رب خطيئتي التي أخطأتها أشيء كتبته عليّ قبل أن تخلقني؟ أو شيء ابتدعته من قبل نفسي؟ قال : بل شيء كتبته عليك قبل أن أخلقك ، قال : «فكما كتبت عليّ فاغفر لي». وقيل إنها : «سبحانك اللهم لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور». وقيل : رأى مكتوبا على ساق العرش محمد رسول الله ، فتشفع بذلك فهي الكلمات. وقيل : قوله حين عطس : «الحمد لله». وقيل : هي الدعاء والحياء والبكاء. وقيل : الاستغفار والندم والحزن. قال ابن عطية : وسماها كلمات ، مجازا لما هي في خلقها صادرة عن كلمات ، وهي : «كن في كل واحدة منهن» ، وهذا قول يقتضي أن آدم لم يقل شيئا إلا الاستغفار المعهود. انتهى كلامه.
(فَتابَ عَلَيْهِ) : أي تفضل عليه بقبول توبته وأفرده بالإخبار عنه بالتوبة عليه ، وإن كانت زوجته مشاركة له في الأمر بالسكنى والنهي عن قربان الشجرة وتلقي الكلمات والتوبة ، لأنه هو المواجه بالأمر والنهي ، وهي تابعة له في ذلك. فكملت القصة بذكره وحده ، كما جاء في قصة موسى والخضر ، إذ جاء (حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ) (١) ، فحملاهما بغير نول ، وكان مع موسى يوشع ، لكنه كان تابعا لموسى فلم يذكره ولم يجمع معهما في الضمير ، أو اكتفى بذكر أحدهما ، إذ كان فعلهما واحدا ، نحو قوله تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) (٢) ، (فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) (٣) ، أو طوى ذكرها كما طواه عند ذكر المعصية في قوله : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) (٤).
وقد جاء طي ذكر النساء في أكثر القرآن والسنة ، وقد ذكرها في قوله : (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) (٥) ، وإنما لم يراع هذا الستر في امرأتي نوح ولوط لأنهما كانتا كافرتين ، وقد ضرب بهما المثل للكفار ، لأن ذنوبهما كانت غاية في القبح والفحش. والكافر لا يناسب الستر عليه ولا الإغضاء عن ذنبه ، بل ينادى عليه ليكون ذلك أخزى له وأحط
__________________
(١) سورة الكهف : ١٨ / ٧١.
(٢) سورة التوبة : ٩ / ٦٢.
(٣) سورة طه : ٢٠ / ١١٧.
(٤) سورة طه : ٢٠ / ١٢١.
(٥) سورة الأعراف : ٧ / ٢٣.