عليها في أصول الدين ، ودلائلها مبسوطة هناك ، احتاج أهل العلم إلى إخراج الآية السابقة عن ظاهرها وحملها كل قائل ممن تقدّم قوله على ما سبح له ، وقوي عنده من التأويل الذي هو سائغ في علم اللسان. وقال بعض أهل الإشارات : الملائكة لما توهموا أن الله تعالى أقامهم في مقام المشورة بأن لهم وجه المصلحة في بقاء الخلافة فيمن يسبح ويقدس ، وأن لا ينقلها إلى من يفسد فيها ويسفك ، فعرضوا ذلك على الله ، وكان ذلك من جملة النصح في الاستشارة ، والنصح في ذلك واجب على المستشار ، والله تعالى الحكم فيما يمضي من ذلك ويختار.
ومن أندر ما وقع في تأويل الآية ما ذهب إليه صاحب (كتاب فك الأزرار) ، وهو الشيخ صفي الدين أبو عبد الله الحسين ابن الوزير أبي الحسن علي بن أبي المنصور الخزرجي ، قال : في ذلك الكتاب ظاهر كلام الملائكة يشعر بنوع من الاعتراض ، وهم منزهون عن ذلك ، والبيان أن الملائكة كانوا حين ورود الخطاب عليهم مجملين ، وكان إبليس مندرجا في جملتهم ، فورد منهم الجواب مجملا. فلما انفصل إبليس عن جملتهم بإبائه وظهور إبليسيته واستكباره ، انفصل الجواب إلى نوعين : فنوع الاعتراض منه كان عن إبليس ، وأنواع الطاعة والتسبيح والتقديس كان عن الملائكة. فانقسم الجواب إلى قسمين ، كانقسام الجنس إلى جنسين ، وناسب كل جواب من ظهر عنه والله أعلم. انتهى كلامه. وهو تأويل حسن ، وصار شبيها بقوله تعالى : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا) (١) ، لأن الجملة كلها مقولة ، والقائل نوعان ، فرد كل قول لمن ناسبه. وقيل في قوله : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) ، إشارة إلى جواز التمدح إلى من له الحكم في التولية ممن يقصد الولاية ، إذا أمن على نفسه الجور والحيف ، ورأى في ذلك مصلحة. ولذلك جاز ليوسف ، على نبينا وعليهالسلام ، طلبه الولاية ، ومدح نفسه بما فيها فقال : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (٢) ، قال : (إِنِّي أَعْلَمُ) ، مضارع علم وما مفعولة بها موصولة ، قيل : أو نكرة موصوفة ، وقد تقدم : أنا لا نختار ، كونها نكرة موصوفة. وأجاز مكي بن أبي طالب والمهدوي وغيرهما أن تكون أعلم هنا اسما بمعنى فاعل ، وإذا كان كذلك جاز في ما أن تكون مجرورة بالإضافة ، وأن تكون في موضع نصب ، لأن هذا الاسم لا ينصرف ، وأجاز بعضهم أن تكون أفعل التفضيل. والتقدير : أعلم منكم ، وما منصوبة بفعل محذوف يدل عليه أعلم ، أي علمت ، وأعلم ما لا تعلمون.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٣٥.
(٢) سورة يوسف : ١٢ / ٥٥.