الذي بعد إلا منصوبا على الاستثناء فتقول : ما ضربت إلا زيدا ، تريد ما ضربت أحدا إلا زيدا ، وما مررت إلا عمرا ، تريد ما ضربت أحدا إلا زيدا ، وما مررت إلا عمرا ، قال الشاعر :
نجا سالم والنفس منه بشدقه |
|
ولم ينج إلا جفن سيف ومئزرا |
يريد ولم ينج بشيء إلا جفن سيف ، وإن أثبته ، ولم يحذفه ، فله أحكام مذكورة. فعلى هذا الذي قد قعده النحويون يجوز في الفاسقين أن يكون معمولا ليضل ، ويكون من الاستثناء المفرغ ، ويجوز أن يكون منصوبا على الاستثناء ، ويكون معمول يضل قد حذف لفهم المعنى ، والفاسق هو الخارج من طاعة الله تعالى. فتارة يكون ذلك بكفر وتارة يكون بعصيان غير الكفر.
قال الزمخشري : الفاسق في الشريعة : الخارج عن أمر الله بارتكاب الكبيرة ، وهو النازل بين المنزلتين ، أي بين منزلة المؤمن والكافر. وقالوا : إن أول من حد له هذا الحد أبو حذيفة واصل بن عطاء ، رضياللهعنه وعن أشياعه. وكونه بين بين ، أي حكمه حكم المؤمن في أنه يناكح ، ويوارث ، ويغسل ، ويصلى عليه ، ويدفن في مقابر المسلمين ، وهو كالكافر في الذم ، واللعن ، والبراءة منه ، واعتقاد عداوته ، وأن لا تقبل شهادته. ومذهب مالك بن أنس والزيدية أن الصلاة لا تجزي خلفه ، ويقال للخلفاء المردة من الكفار الفسقة ، وقد جاء الاستعمالان في كتاب الله تعالى : (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) (١) ، يريد اللمز والتنابز ، (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٢) ، انتهى كلام الزمخشري. وهو جار على مذهبه الاعتزالي ، والذي عليه سلف هذه الأمة : أن من كان مؤمنا وفسق بمعصية دون الكفر ، فإنه فاسق بفسقه مؤمن بإيمانه ، وأنه لم يخرج بفسقه عن الإيمان ، ولا بلغ حد الكفر. وذهبت الخوارج إلى أن من عصى وأذنب ذنبا فقد كفر بعد إيمانه. ومنهم من قال : من أذنب بعد الإيمان فقد أشرك. ومنهم من قال : كل معصية نفاق ، وإن حكم القاضي بعد التصديق أنه منافق. وذهبت المعتزلة إلى ما ذكره الزمخشري ، وذكر أن لأصل هذه المسألة سموا معتزلة ، فإنهم اعتزلوا قول الأمة فيها ، فإن الأمة كانوا على قولين ، فأحدثوا قولا ثالثا فسموا معتزلة لذلك ، وهذه المسألة مقررة في أصول الدين.
__________________
(١) سورة الحجرات : ٤٩ / ١١.
(٢) سورة التوبة : ٩ / ٦٧.