علم البيان والبديع ، ملخصا ، ثم أتبع آخر الآيات بكلام منثور أشرح به مضمون تلك الآيات على ما أختاره من تلك المعاني ، ملخصا جملها في أحسن تلخيص ، وقد ينجر معها ذكر معان لم تتقدم في التفسير ، وصار ذلك أنموذجا لمن يريد أن يسلك ذلك فيما بقي من سائر القرآن. وستقف على هذا المنهج الذي سلكته ، إن شاء الله تعالى ، وربما ألممت بشيء من كلام الصوفية مما فيه بعض مناسبة لمدلول اللفظ ، وتجنبت كثيرا من أقاويلهم ومعانيهم التي يحملونها الألفاظ ، وتركت أقوال الملحدين الباطنية المخرجين الألفاظ القريبة عن مدلولاتها في اللغة إلى هذيان افتروه على الله تعالى وعلى علي كرم الله وجهه وعلى ذريته ، ويسمونه علم التأويل. وقد وقفت على تفسير لبعض رؤوسهم ، وهو تفسير عجيب يذكر فيه أقاويل السلف مزدريا عليهم وذاكرا أنه ما جهل مقالاتهم ، ثم يفسر هو الآية على شيء لا يكاد يخطر في ذهن عاقل ، ويزعم أن ذلك هو المراد من هذه الآية وهذه الطائفة لا يلتفت إليها ، وقد رد أئمة المسلمين عليهم أقاويلهم وذلك مقرر في علم أصول الدين.
نسأل الله السلامة في عقولنا وأدياننا وأبداننا ، وكثيرا ما يشحن المفسرون تفاسيرهم من ذلك الإعراب ، بعلل النحو ودلائل أصول الفقه ودلائل أصول الدين ، وكل هذا مقرر في تآليف هذه العلوم ، وإنما يؤخذ ذلك مسلما في علم التفسير دون استدلال عليه. وكذلك أيضا ذكروا ما لا يصح من أسباب نزول وأحاديث في الفضائل وحكايات لا تناسب وتواريخ إسرائيلية ، ولا ينبغي ذكر هذا في علم التفسير. ومن أحاط بمعرفة مدلول الكلمة وأحكامها قبل التركيب ، وعلم كيفية تركيبها في تلك اللغة ، وارتقى إلى تمييز حسن تركيبها وقبحه ، فلن يحتاج في فهم ما تركب من تلك الألفاظ إلى مفهم ولا معلم ، وإنما تفاوت الناس في إدراك هذا الذي ذكرناه ، فلذلك اختلفت أفهامهم وتباينت أقوالهم.
وقد جرينا الكلام يوما مع بعض من عاصرنا ، فكان يزعم أن علم التفسير مضطر إلى النقل في فهم معاني تراكيبه بالإسناد إلى مجاهد وطاوس وعكرمة وأضرابهم ، وأن فهم الآيات متوقف على ذلك. والعجب له أنه يرى أقوال هؤلاء كثيرة الاختلاف ، متباينة الأوصاف ، متعارضة ، ينقض بعضها بعضا ، ونظير ما ذكره هذا المعاصر أنه لو تعلم أحدنا مثلا لغة الترك إفرادا وتركيبا حتى صار يتكلم بتلك اللغة ويتصرف فيها نثرا ونظما ، ويعرض ما تعلمه على كلامهم فيجده مطابقا للغتهم قد شارك فيها فصحاءهم ، ثم جاءه كتاب بلسان الترك فيحجم عن تدبره وعن فهم ما تضمنه من المعاني حتى يسأل عن ذلك سنقرا التركي