فاستأذنت عليه ، فأذن لي ، فدخلت عليه فحدّثته فأعجبه فأمر بألفي دينار ، فأحضرت فقال : ادفعها ، قال : فنهضت ، فقال : اجلس عليك دين؟ قلت : نعم ، قال : كم؟ قلت : خمسون ألف دينار ، فأمسك وجعل يحدّثني ساعة ، ثم قال : امض إلى منزلك ، فصرت إلى منزلي فإذا خادم معه خمسون ألف دينار ، فقال : يقول لك أمير المؤمنين اقض بها دينك ، قال : فقبضتها ، فلما كان من الغد أبطأ عليّ المكفوف وأتاني رسول المهدي يدعوني فجئته ، فقال : فكرت في أمرك ، فقلت : تقضي دينه ثم تحتاج إلى الحيلة والقرض وقد أمرت لك بخمسين ألف أخرى ، قال : فقبضتها وانصرفت ، فأتاني المكفوف فدفعت إليه الألفي الدّينار ، وقلت : قد رزق الله بكرمه بك خيرا كثيرا ، وأعطيته من مالي ألفي دينار.
أخبرنا أبو القاسم الخطيب ، وأبو الحسن الزاهد ، قالا : نا وأبو منصور المقرئ ، أنا أبو بكر الخطيب (١) ، أخبرني أبو القاسم الأزهري ، أنا أحمد بن إبراهيم ، نا إبراهيم بن محمّد ابن عرفة قال :
وبلغني أن المهدي لما فرغ من بناء عيسى باذ (٢) ركب في جماعة يسير لينظر ، فدخله مفاجأة وأخرج من كان هناك من الناس ، وبقي رجلان تخفّيا عن أبصار الأعوان ، فرأى المهدي أحدهما ، وهو دهش ما يعقل ، فقال : من أنت؟ قال : أنا ، أنا ، أنا ، قال : ويلك ، من أنت؟ قال : لا أدري ، قال : ألك حاجة؟ قال : لا ، لا ، قال : أخرجوه ، أخرج الله نفسه ، فدفع في قفاه فلمّا خرج ، قال لغلام له : اتبعه من حيث لا يعلم ، فسل عن أمره ومهنته ، فإني أخاله حائكا ، فخرج الغلام يقفوه ثم رأى الآخر فاستنطقه ، فأجابه بقلب جريء ولسان بسيط (٣) ، فقال : من أنت؟ فقال : رجل من أبناء رجال دعوتك. قال : ما جاء بك إلى هاهنا؟ قال : جئت لأنظر إلى هذا البنّاء الحسن ، فأتمتع بالنظر ، وأكثر الدعاء لأمير المؤمنين بطول المدة وتمام النعمة ، ونماء العزّ والسلامة ، قال : أفلك حاجة؟ قال : نعم ، خطبت ابنة عمّي فردّني أبوها وقال : لا مال لك والناس يرغبون في الأموال ، وأنا بها مشغوف ولها وامق ، قال : قد أمرت لك بخمسين ألف درهم ، قال : جعلني الله فداك يا أمير المؤمنين ، قد وصلت فأجزلت الصّلة ، ومننت فأعظمت المنّة ، فجعل الله باقي عمرك أكثر من ماضيه ، وآخر أيّامك
__________________
(١) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٥ / ٣٩٨ ـ ٣٩٩.
(٢) عيسى باذ : محلة كانت بشرق بغداد ، نسبت إلى عيسى بن المهدي ، وباذ : معناه العمارة.
(٣) في تاريخ بغداد : لسان منبسط.