الحسين (١) ، أنا أبو الفرج القاضي (٢) ، نا محمّد بن القاسم الأنباري ، حدّثني أبي قال : قال أبو العبّاس محمّد بن إسحاق بن أبي العنبس ، عن إسحاق بن يحيى بن معاذ ، حدّثني سوّار صاحب رحبة سوار قال :
انصرفت يوما من دار المهدي ، فلما دخلت منزلي دعوت بالغداء فجاشت (٣) نفسي فأمرت به فردّ ، ثم دعوت بالنرد ودعوت جارية لي ألاعبها فلم تطب نفسي بذلك ، فدخلت للقائلة فلم يأخذني النوم ، فنهضت أمرت ببغلة لي شهباء فأسرجت فركبتها ، فلما خرجت استقبلني وكيل لي ومعه مال ، فقلت : ما هذا؟ فقال : ألفا درهم جبيتها من مستغلك الجديد ، قلت : امسكها معك واتبعني ، قال : وخليت رأس البغلة حتى عبرت الجسر ، ثم مضيت في شارع دار الرقيق حتى انتهيت إلى الصّحراء ، ثم رجعت إلى باب الأنبار فطوّفت ، فلما صرت في شارع باب الأنبار انتهيت إلى باب دار نظيف عليه شجرة وعلى الباب خادم ، فوقفت وقد عطشنا فقلت للخادم : أعندك ماء تسقينيه؟ قال : نعم ، وقام فأخرج قلّة نظيفة ، حيرية ، طيبة الرائحة عليها منديل ، فناولني ، فشربت ، وحضر وقت العصر فدخلت مسجدا على الباب فصلّيت فيه ، فلما قضيت صلاتي إذا أنا بأعمى يتلمس ، فقلت : ما تريد يا هذا؟ قال : إيّاك أريد ، قلت : وما حاجتك ، فجاء حتى قعد إليّ فقال : شممت منك رائحة الطّيب فظننت أنك من أهل النعيم ، فأردت أن ألقي إليك شيئا ، فقلت : قل ، قال : أترى باب هذا القصر؟ قلت : نعم ، قال : هذا قصر كان لأبي فباعه وخرج إلى خراسان وخرجت معه ، فزالت (٤) عنا النعم التي كنا فيها فقدمت فأتيت صاحب الدار لأسأله (٥) شيئا يصلني به وأصير إلى سوّار فإنه كان صديقا لأبي ، قلت : ومن أبوك؟ قال : فلان ابن فلان ، قال : فإذا أصدق الناس كان لي فقلت له : يا هذا ، فإن (٦) الله عزوجل قد أتاك بسوار ومنعه الطعام والنوم حتى جاء به فأقعده بين يديك ، ثم دعوت الوكيل فأخذت الدراهم منه ودفعتها إليه وقلت له : إذا كان غدا فصر إليّ إلى المنزل ، ثم مضيت ، فقلت : ما أحدّث أمير المؤمنين المهدي بشيء أظرف من هذا ، فأتيته
__________________
(١) بالأصل ود : الحسن ، تصحيف ، والتصويب عن «ز» ، والسند معروف.
(٢) رواه القاضي محمد بن زكريا الجريري في الجليس الصالح الكافي ١ / ٣٠٢ وما بعدها.
(٣) أي اضطربت ، ولم تهدأ كأنها تطالبه بشيء.
(٤) بالأصل : «فرأيت» تصحيف ، والمثبت عن د ، و «ز» ، والجليس الصالح.
(٥) بالأصل : لا أسأله ، والمثبت عن الجليس الصالح.
(٦) بالأصل : «قال» ، والمثبت عن الجليس الصالح.