نومة أطيب منها وألذ ، ثم انتبهت فإذا هو قد وثب إلى شويهة فذبحها ، وإذا امرأته تقول له : ويحك قتلت نفسك وصبيتك ، إنما كان معاشكم من هذه الشاة فذبحتها فبأيّ شيء تعيش؟ قال : فقلت : لا عليك ، هات الشاة فشققت جوفها واستخرجت كبدها بسكين كانت في خفي فشرحتها ثم طرحتها على النار فأكلتها ، ثم قلت : هل عندك شيء أكتب لك فيه ، فجاءني بهذه القطعة جراب (١) ، وأخذت عودا من الرماد الذي كان بين يديه ، فكتبت له هذا الكتاب ، وختمته بهذا الخاتم ، وأمرته أن يجيء ويسأل عن الربيع فيدفعها إليه ، فإذا في الرقعة خمس مائة ألف درهم ، فقال : والله ما أردت إلّا خمسين ألف درهم ولكن جرت بخمس مائة ألف درهم لا أنقص والله منها درهما واحدا ، ولو لم يكن في بيت المال غيرها ، احملوها معه ، فما كان إلّا قليلا حتى كثرت إبله وشاؤه وصار منزلا من المنازل ينزله الناس ممن أراد الحج من الأنبار إلى مكة ، وسمي منزل مضيف أمير المؤمنين المهدي.
قال (٢) : وأخبرني أبو القاسم الأزهري ، أنا أحمد بن إبراهيم ، نا إبراهيم بن محمّد بن عرفة قال :
وخرج المهدي يوما إلى الصّيد فانقطع عن خاصّته فدفع إلى أعرابي ، وهو يريد البول فقال : يا أعرابي احفظ عليّ فرسي حتى أنزل (٣) ، فسعى نحوه وأخذ بركابه فنزل المهدي ودفع الفرس إليه ، فأقبل الأعرابي على السّرج يقلع حليته ، وفطن المهدي وقد أخذ حاجته ، فقدم إليه فرسه ، وجاءت الخيل نحوه وأحاطت به ، ونذر بها الأعرابي فولى هاربا فأمر بردّه فقال : وخاف أن يكون قد غمز به ـ فقال : خذوا ما أخذنا منكم ، ودعونا نذهب إلى خزي الله وناره (٤) ، فقال المهدي ـ وصاح به : ـ تعال لا بأس عليك ، فقال : ما تشاء جعلني الله فداء فرسك ، فضحك من حضره وقالوا : ويلك ، هل رأيت إنسانا قط؟ قال : هذا قال : فما أقول؟ قالوا : قل جعلني الله فداك يا أمير المؤمنين ، قال : أوهذا أمير المؤمنين؟ قالوا : نعم ، قال : والله لئن أرضاه هذا مني ما يرضيني ذاك فيه ، ولكن جعل الله جبريل وميكائيل فداءه وجعلني فداءهما. فضحك المهدي واستطابه ، وأمر له بعشرة آلاف درهم ، فأخذها وانصرف.
أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبيد الله ـ إذنا ومناولة وقرأ عليّ إسناده ـ أنا محمّد بن
__________________
(١) كذا بالأصل ود ، و «ز» ، وفي تاريخ بغداد : القطعة الجراب.
(٢) القائل أبو بكر الخطيب ، والخبر في تاريخ بغداد ٥ / ٣٩٨.
(٣) كذا بالأصل ود ، و «ز» ، وفي تاريخ بغداد : أبول.
(٤) في تاريخ بغداد : حرق الله وناره.