عني أشياء حدّثته بها ، ثم نهض وقال : كن بمكانك حتى أعود إليك ، فدخل إلى دور الحرم ، ثم خرج متنكرا ممتلئا غيظا ، فلمّا جلس قلت : يا أمير المؤمنين خرجت على خلاف الحال التي دخلت عليها ، فقال : نعم ، دخلت على الخيزران (١) فوثبت عليّ ومدت يدها إليّ وخرّقت (٢) ثوبي وقالت : يا قشّاش (٣) ، وأيّ خير رأيت منك؟ وإنما اشتريتها من نخاس ، ورأت مني ما رأت ، وعقدت لابنيها ولاية العهد (٤) ، ويحك ، فأنا قشّاش؟ قال : فقلت : يا أمير المؤمنين ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّهن يغلبن الكرام ويغلبهنّ اللئام» [١١١١٥] وقال : «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» [١١١١٦] ، وقال : «خلقت المرأة من ضلع أعوج ، إن قوّمته كسرته» [١١١١٧] ، وحدّثته في هذا الباب بكل ما حضرني ، فسكن غضبه وأسفر وجهه ، وأمر لي بألفي دينار ، وقال : أصلح بهذه من حالك ، وانصرفت ، فلمّا وصلت إلى منزلي وافاني رسول الخيزران فقال : تقرأ عليك ستي السلام ، وتقول لك : يا عمّي قد سمعت جميع ما كلّمت به أمير المؤمنين ، فأحسن الله جزاءك ، وهذه ألف دينار إلّا عشرة دنانير بعثت بها إليك لأنّي لا أحبّ أن أساوي صلة أمير المؤمنين ، ووجّهت إليّ بأثواب.
رواها الخطيب (٥) عن الأزهري والخلال عن الصّيدلاني.
أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلّم الفقيه ، وأبو محمّد عبد الكريم بن حمزة ، وأبو المعالي الحسين بن حمزة السّلميّون قالوا : أنا أحمد بن عبد الواحد بن محمّد بن أحمد بن عثمان بن الوليد ، أنا جدّي ، أنا محمّد بن جعفر بن محمّد الخرائطي ، نا عمران بن موسى أو غيره (٦) قال :
هدر المهدي دم رجل من أهل الكوفة كان سعى في فساد الدّولة ، وبذل لمن دل عليه مائة ألف درهم ، فاستخفى الرجل حينا ، ثم خرج إلى مدينة السّلام ، فكان كالمستخفي ، فإنه لفي بعض طرقات المدينة إذ بصر به رجل قد كان عرف حاله ، فأهوى إلى مجامع ثوبه
__________________
(١) الخيزران زوجة المهدي ، وأم ولده ، وكانت جرشية ، ماتت سنة ١٧٣ ه.
(٢) بالأصل ود : وحرقت ، والمثبت عن «ز» ، وتاريخ بغداد.
(٣) القشاش هو الذي يلقط الشيء الحقير من الطعام فيأكله ، كما في اللسان : قشش.
(٤) يعني موسى الهادي ، وهارون الرشيد.
(٥) رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ١٤ / ٤٣١ في ترجمة الخيزران.
(٦) كذا بالأصل ود ، وفي «ز» : وغيره.