على أضيافه مما كانوا يأتون من الدواهي العظام ، فضاق بهم ذرعا مما يخاف إن هو لم يعرض عليهم أثم ، وإن دعاهم فضحوهم ، فذلك قوله : (سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ : هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ)(١) عصبته شدة ، فقال لهم : لكم عندي الضيافة ، فانطلقوا معه ، وكان الله عزوجل عهد إلى جبريل ألّا يعذّب قوم لوط حتى يشهد لوط على قومه ثلاث شهادات (٢) ، فلما توجّه بهم خاف عليهم قومه واستحيا فقال : أما إنّي أذهب بكم وقومي أشرّ من خلق الله ، فالتفت جبريل إلى الملائكة فقال : هذه واحدة احفظوها ، فلما توسط بهم القرية بكى لوط حياء منهم ، فقال : قومي أشرّ من خلق الله ، وقد التفت جبريل إلى الملائكة فقال : هاتان اثنتان احفظوهما ، فلما دخل (٣) البيت وجلسوا قال : قومي أشرّ خلق الله ، قال جبريل : هذه ثلاث ، فقد وجب العذاب ، فلما رأتهم امرأته انطلقت فأعلمتهم ـ يعني قوم لوط ـ.
أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلّم ، أنبأنا أبو الحسن بن أبي الحديد ، أنبأنا جدي أبو بكر ، أنبأنا عبد الله الهروي ، أنبأنا محمّد بن حمّاد ، أنبأنا عبد الرزّاق ، أنبأنا معمر عن قتادة قال (٤) :
جاءت الملائكة لوطا وهو يعمل في أرض له ، فقالوا : إنا مضيفوك الليلة ، فانطلق معهم ، فلما مشى معهم ساعة التفت إليهم فقال : أما تعلمون ما تعمل أهل هذه القرية؟ ما أعلم على وجه الأرض أهل قرية شرا منهم حتى قال ذلك ثلاث مرات ، وكانوا أمروا أن لا يعذّبونهم حتى يشهد عليهم ثلاث مرّات ، فلما دخلوا عليه ذهبت عجوز السوء فأتت قومها فقالت : يضيف لوطا الليلة قوم ما رأيت قوما قط أحسن وجوها منهم ، قال : فجاءوا يسرعون فعالجهم لوط على الباب ، فقام ملك فلزّ الباب يقول فسدّه ، واستأذن جبريل ربه في عقوبتهم فأذن له ، فضربهم جبريل بجناحه فتركهم عميا ، فباتوا بشرّ ليلة ، ثم قالوا : (إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ ، فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ ، وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ)(٥) قال : فبلغني أنها سمعت صوتا ، فالتفت فأصابها حجر وهي شاذة من القوم معلوم مكانها (٦).
__________________
(١) سورة هود ، الآية : ٧٧.
(٢) في تاريخ الطبري ١ / ٢٩٩ أربع شهادات.
(٣) الأصل : «دخلا» والمثبت عن م ، ود ، وت.
(٤) تاريخ الطبري ١ / ٢٩٩ والكامل لابن الأثير ١ / ٩٩ والبداية والنهاية ١ / ٢٠٧.
(٥) سورة هود ، الآية : ٨١.
(٦) تفسير الطبري ١٢ / ٥٥ (ط. بولاق) ، وانظر تاريخ الطبري ١ / ٣٠٣.