تحرس المال ، العلم يزكو على العمل ، والمال تنقصه النفقة ، ومحبة العالم دين يدان بها باكتساب الطاعة في حياته ، وجميل الأحدوثة بعد موته وصنعه (١) ، يفنى المال بزوال صاحبه ، مات خزّان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة ، ها إن هاهنا ـ وأشار بيده إلى صدره ـ علما لو أصبت له حملة. بلى أصبته لقنا غير مأمون عليه ، يستعمل آلة الدين للدنيا (٢) يستظهر بحجج الله على كتابه ، وبنعمه على عباده ، أو منقاد لأهل الحق لا بصيرة له في أحنائه ، يقتدح الشك في قلبه بأوّل عارض من شبهة لا ذا ، ولا ذاك ، أو منهوم باللذة سلس القياد للشهوات ، أو مغريّ يجمع الأموال والإدخار ، ليسا من دعاة الدين ، أقرب شبههما بهما الأنعام السائمة ، كذلك يموت العلم بموت حامليه ، اللهم بلى لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة ، لكي لا تبطل حجج الله وبيّناته (٣) أولئك الأقلون عددا ، الأعظمون عند الله قدرا ، بهم يدفع الله من حججه ، حتى يودوها إلى نظرائهم ، فيزرعوها في قلوب أشباههم ، هجم به العلم على حقيقة الأمر ، تلك أبدان أرواحها معلّقة بالمحل الأعلى ، أولئك خلفاء الله في بلاده ، والدعاة إلى دينه ، هاه هاه ، شوقا إلى رؤيتهم ، وأستغفر الله لي ولك ، إذا شئت فقم.
رواه أبو نعيم ضرار بن صرد (٤) عن عاصم بن حميد فزاد فيه ألفاظا.
أخبرناه أبو القاسم علي بن إبراهيم ـ قراءة ـ أنبأنا عمّي الشريف الأمير النقيب عماد الدولة أبو البركات عقيل بن العبّاس الحسيني (٥) ، أنبأنا الحسين بن عبد الله بن محمّد بن أبي كامل الأطرابلسي ـ قراءة عليه بدمشق ـ أنبأنا خال أبي أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي ، حدّثنا نجيح بن إبراهيم الزهري ، حدّثنا ضرار بن صرد ، حدّثنا عاصم بن حميد الحنّاط ، حدّثنا ثابت بن أبي صفية أبو حمزة الثمالي ، عن عبد الرّحمن بن جندب ، عن كميل ابن زياد قال :
أخذ ـ عليهالسلام ـ بيدي فأخرجني ناحية الجبّان فلما أصحر جعل يتنفس ثم قال : يا كميل بن زياد ، القلوب أوعية ، فخيرها أوعاها ، احفظ عني ما أقول لك ، الناس ثلاثة : فعالم ربّاني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح ، لم
__________________
(١) كذا بالأصل وم ، وفي تهذيب الكمال : وصنيعه.
(٢) الأصل : والدنيا. والمثبت عن م وتهذيب الكمال.
(٣) بدون إعجام بالأصل وم ورسمها : «وسانه» والمثبت عن تهذيب الكمال.
(٤) كذا ضبطت عن الأصل ، ضبط قلم.
(٥) في م : الحسني.